منذ أطاح الطوفان البشري الذي غمر شوارع مصر وميادينها في الثلاثين من يونيو بحكم جماعة الإخوان، وأنا حريص على عدم الكتابة عن قيادات تلك الجماعة الذين اقتربت من غالبيتهم فى مواقع عدة خلال العقدين الأخيرين.
فقد كنت حريصا على التروي لأننىي لو تكلمت فى حق بعضهم لأوجعت، لكن ليس في مهاجمة المأزوم أي نبل، كما أن ما توفر لي من معلومات بحكم عملي الصحفي قبل وأثناء وبعد ممارستهم الأولى لحكم البلاد، يحتاج لعمل توثيقي أعكف حاليا على صياغته، وأسأل الله أن يخرج للنور خاليا من أي غرض، وبعيدا عن أي شطط، قد يقودني إليه موقف انفعالي بسبب ما تمر به مصر حاليا.
أقول، كنت حريصا غير أنني أعدت النظر في هذا الحرص بعد واقعتين أراهما في غاية الأهمية. الواقعة الأولى هي قيام خمسة عشر طالبا في مدرسة قرية رأس الخليج الثانوية بإدارة شربين التعليمية التابعة لمحافظة الدقهلية، بتحريض من أربعة مدرسين وجميعم "الطلاب والمدرسون" من المنتمين لجماعة الإخوان، بمنع عدد من الطلاب من تقديم مسرحية تخليدا لذكرى المجند الشحات بركات شتا، بطل الكتيبة 101 بالعريش، الذي احتضن انتحاريا وابتعد به عن موقع الكتيبة لإنقاذ زملائه، فكانت النتيجة أن تمزق جسده مع الانتحاري الذي فجر نفسه.
طلاب المدرسة كانوا يجهزون لتقديم مسرحية تتناول الواقعة وتخلد ذكرى الجندي لعرضها بالتزامن مع احتفالات عيد الأم، غير أن هذا لم يرق للمدرسين الأربعة، فحرضوا الطلاب على مهاجمة زملائهم ومنعهم من الإعداد للمسرحية. الإدارة التعليمية قررت فصل الطلاب وإحالة المدرسين المحرضين للتحقيق.
أما الواقعة الثانية فكانت تمزيق لافتة اسم مدرسة أبو العز الحريرى، السياسي السكندري اليساري. فبعد صدور قرار بإطلاق اسم أبو العز الحريري على إحدى مدارس الإسكندرية قام مجهولون -تقول زوجة الحريرى إنهم من المدرسين العاملين بالمدرسة- بتمزيق اللافتة التي تحمل اسمه لموقفه الثابت ضد جماعة الإخوان، قبل وبعد تغيير الثلاثين من يونيو.
وكما في الواقعة الأولى، قررت الإدارة التعليمية تشكيل لجنة للتحقيق في الواقعة الثانية.
هاتان الواقعتان تكشفان في حالة التأكد من صحة الرواية، وهو المرجح، عن إصرار أعضاء تلك الجماعة على محاربة المجتمع الذي خذلهم ووقف ضد سياستهم وهم بذلك يقطعون كل خيوط الوصل مع المصريين، حتى أولئك الذين تعاطفوا معهم في لحظة من اللحظات، أو على الأقل تفهموا بعض موافقهم بعد الإطاحة بممثلهم في حكم البلاد.
هاتان الواقعتان ذكرتاني بحوار أجريته مع ياسر سعد، أحد المتهمين في قضية الكلية الفنية العسكرية أثناء إعدادى لوثائقي عن الجيش والسياسة، تلك القضية التى أدانتها جماعة الإخوان وقت حدوثها 1974، على الرغم من أن زينب الغزالى كانت من جندت عددا من الشباب لتنفيذها بالتعاون مع صالح سرية وطلال الأنصاري.
المهم سألت ياسر ساعتها: هل تعتقد أن الإخوان الملسمين والتنظيمات الإسلامية تستهدف الجيش لوجود "ثأر بايت" بينها وبين قيادات الجيش؟
فأجاب ياسر سعد بسرعة لا. الإخوان والتيارات الإسلامية تشعر بأن لديها ثأر مع الشعب والمجتمع، ولديهم تأصيل نظري وفكري لهذا الأمر، فهم يكرهون الناس والمجتمع لأن الناس لم يسيروا خلفهم ولم يتبعوا خطاهم.
يواصل ياسر قائلا: الشعب أحب عبد الناصر رغم أنه سجنهم، وحين أفرج عنهم السادات تآمروا عليه، وحين قتلوه لم يلتف الناس حولهم بل شيعوه رغم خلاف الغالبية منهم معه. شيعوه كبطل للحرب والسلام. وساهمت ضرباتهم للاقتصاد واستهدافهم للقيادات الأمنية خلال الثمانينيات والتسعينيات في توسيع الهوة بينهم وبين الناس، بينما كانوا ينتظرون ثورة شعبية إسلامية تؤمرهم على البلاد.
انتهى كلام ياسر سعد، فهل يوقن عناصر الإخوان وقواعدهم التنظيمية والحركية أن الباقي هو الشعب، وأن الاستمرار فى هذه المكابرة لن يحصدوا منها سوى المزيد من الملاحقات، ليس الأمنية وحسب بل والشعبية أيضا.