رغم محاولات الإعلام، بقصد أو حسن نية، ترسيخ مفاهيم طائفية تصبغ الصراعات الحالية في منطقتنا، إلا أن هناك قوى بارزة تعي تماما خطورة هذا وتسعى لمكافحته بكافة السبل، من القوة العسكرية والأمنية إلى الدبلوماسية والأفكار.

ربما هناك بعض الخلاف بشأن توصيف الغرب للإرهاب وبين توصيف أهل المنطقة ـ وهم أدرى به من غيرهم ـ له، لذا لا تمييز بين إرهاب داعش وإرهاب ميليشيات كالحشد الشعبي أو غيره. والمسألة هنا لا سنية ولا شيعية، ولا عربية أو كردية، ولا حتى "إسلامية" أو غير ذلك، وإنما هي ببساطة كل أعمال العنف الخارجة على القانون والقيم الإنسانية أيا كان فاعلها.

ومنذ الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش والولايات المتحدة تعتمد استراتيجية "فك ارتباط" مع المنطقة، ليس بمعنى ترك مصالحها فيها تماما ولكن حمايتها بالتعاون مع شركاء محليين بدلا من التدخل المباشر النشط.

وتطلب هذا أن تتحمل دول المنطقة مسؤولية التصدي للتحديات التي تواجهها بقدرتها الذاتية وعدم الاعتماد على دعم نشط فعال من خارجها. وفي ظل التحولات السريعة، والدموية والمدمرة أحيانا والضاربة للاستقرار في أغلب الأحيان، برز دور كتلة جديدة في المنطقة عبرت عنها تحالفات مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في مواجهة تلك التحديات.

وإن كان الإرهاب يبقى التحدي الأكبر، ليس فقط من داعش بل من كل جماعات وتنظيمات ما يسمى "الإسلام السياسي" وأصلها الإخواني، إلا أن تحديات إقليمية لا تقل أهمية وفي مقدمتها بالطبع التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

تلك التدخلات تعتمد "الطائفية البغيضة"، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو بعض دول الخليج كالبحرين، ومع أهمية التصدي المباشر لها أمنيا وبالقوة لردعها فإن من المهم أيضا مكافحتها من جذرها بترسيخ قيم تسامح وتنوير تضعها في زاوية أضيق وتبرز بغضها وسوادها.

يظل الأكثر فعالية في مكافحة الطائفية ومظاهرها الإرهابية هو تمثل قيم "الأمة"، العربية والإسلامية، وبدون أي شبهة تمييز أو تقليل من الأمم الأخرى، في مقابل اعتماد الآخرين "الطائفة". فالأمة تشمل كافة الطوائف والأعراق ـ وحتى الأديان ـ في تنوع يثري ويدعم التطور والتقدم.

وربما كانت الإمارات العربية المتحدة مثالا جيدا على هذا التنوع في ظل تسامح وقبول للآخر، وإن كانت القيادة الإماراتية لا تحبذ الحديث عن "نموذج إماراتي"، لكن من يعرف هذا المجتمع وهذه البلاد ويعيش مع أهلها يدرك أنها ربما كانت من أفضل من يتمثل "الأمة" وليس "الطائفة" أو "العرق" ـ عملا لا قولا.

بالطبع، ليس الأمر سهلا وربما كان الحديث عنه أسهل كثيرا من تبنيه وإنفاذه منهاج حياة. لكن ما نراه في الواقع الآن يشجع على أن نشاط السياسة الخارجية الإماراتية في القضايا الإقليمية الساخنة يفتح ابواب أمل أن تتجاوز منطقتنا معضلاتها الحالية نحو مستقبل أفضل.