لا سؤال في هذه الأيام يطغى على الساحة في بلدي لبنان بمقدار التساؤل عن سبب (تذكر) فخامة الرئيس ميشال عون لموضوع الاستراتيجية الدفاعية وهي التي تم نسفها عبر اتفاق مار مخايل أولا ثم عبر التسوية التي نرى آثارها في كل تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وهي "السلاح مقابل الفساد". 

فما هو ذاك الذي تغير حتى يذكرنا فخامته بموضوع الاستراتيجية الدفاعية وأنها حق حصري بيد الدولة مع كل ما نراه من سطوة واعتداءات داخلية وخارجية لذلك السلاح الذي أوصل فخامته لسدة الرئاسة، التي هي اليوم في أشهرها الأخيرة من عهد فخامته مما يشير إلى أن تلك الدعوة لا تعدو سخافة يطلقها عهد الجحيم هذا في آخر سنواته التي كانت لعنة على لبنان واللبنانيين؟

قبل أسابيع قليلة وفي مقابلته الأخيرة مع قناة "الجزيرة"، دافع فخامته عن "حزب الله"، قائلاً إن الحزب لا يتسبب في أي مشكلة في لبنان، وأن سلاحه لا يتدخل في السياسة اللبنانية ولا يضعف الدولة ثم تذكر فجأة أن يقول الحق والحقيقة من باب الابتزاز ومحاولة حصد المكاسب، فنطق بالحقيقة في وجه حزب الله وإن الدولة هي من يتحمل مسؤولية الدفاع عن البلد، وبأن الوصول إلى استراتيجية دفاعية أمر ضروري بل والمح إلى أن الثنائي الشيعي يقوم بتعطيل البلاد عندما قال (صحيح أن الدفاع عن الوطن يتطلب تعاونا بين الجيش والشعب والمقاومة، ولكن المسؤولية الأساسية هي للدولة. وحدها الدولة تضع الاستراتيجية الدفاعية وتسهر على تنفيذها. وقبل الوصول إلى هذه النقطة، يجب أن يتوقف التعطيل المتعمد والممنهج وغير المبرر الذي يؤدي إلى تفكيك المؤسسات وانحلال الدولة).

عذرا فخامة الرئيس.. فحتى لو سلمنا بحسن نيتك في هذه الدعوة فإن الشرط الأساسي لانعقاد ونجاح هذا (الحوار الوطني) المزعوم هو وجود توازن بين أطرافه، لا أن يكون هناك طرف يستقوي بسلاحه، ويجاهر بانتمائه لنظام الملالي، مقابل أطراف آخرين لا يملكون  سوى الدستور والقوانين كمادة للنقاش وأنت تعلم أن الحوار الذي انعقد في قصر بعبدا في العام 2012 برعاية الرئيس  ميشال سليمان، انتهى بمثل ما انطلق نتيجة انقلاب حزب الله وحزبك المسمى (التيار الوطني الحر) وبقية حلفائكم عليه وهو الذي نص على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية وعدم التورط في سوريا وأنت الذي دشنت عهدك بحرق "إعلان بعبدا" الذي كانت طاولة الحوار الوطني قد توصّلت إليه واعتمدته الأمم المتحدة وثيقة من وثائق التعاطي مع الدولة اللبنانية وكان باختصار كلّي يهدف إلى النأي بلبنان عن حروب المنطقة وصراعات محاورها واحترام القرارات الدولية وترسيخ علاقات لبنان العربية والدولية، وكان تجاهله بعد أن ذهب "حزب الله" إلى حيث أراده " ملالي ايران" أن يذهب، مما تسبب للبنان  بالعزلة والفقر.

ومهما تشدق المحيطون بالقصر عبر القول إن تطورات حصلت في السنوات الأربع الماضية على الصعيد الإقليمي مثل حروب الجوار والمشاكل في دول القرار والنفوذ وبعض الأمور التي حصلت في سوريا والعراق وكذلك موضوع الجنوب والتهديدات الإسرائيلية وإن الجو الذي رافق وضع الاستراتيجية الدفاعية في الماضي تبدل جغرافيا وسياسيا وإقليميا وبالتالي لا بد من إعادة نظر في الموضوع، فهذا أمر مردود على أصحابه بدليل فشل العهد في الدعوة الأولى التي أطلقها لبحث الاستراتيجية والتي وأدها حزب الله في مهدها.

الخلاصة أننا اليوم أصبحنا بحاجة إلى استراتيجية جديدة هي (استراتيجية الطلب من حزب الله أن يكف شروره عن جيران لبنان وما بعد بعد جيران لبنان) وقد سمعنا خلال الأيام الماضية بيان المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي الذي دعا فيه جميع القيادات اللبنانية إلى "إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة" وما تلا ذلك من ظهور أدلة لتورط هذا الحزب في الاعتداءات التي يشنّها "الحوثيون" على الأهداف المدنية في المملكة العربية السعودية التي تسعى اليوم إلى طلب انعقاد مجلس الأمن لدفع شرور هذا الحزب الذي يزداد يوما بعد يوم خصومه المطالبون بمحاكمته في محاكم العدل الدولية.