منذ عدة سنوات تعددت المؤتمرات الخاصة بمحاولة فهم التأثيرات المناخية على الصحة العامة والأمن الغذائي والموارد المائية، وأصبحنا نسمع عن مصطلحات جديدة مثل (المرونة المناخية)، و(التنمية المستدامة)، وما يحدثه التغير المناخي على مختلف دول العالم.

في الداخل الأميركي، وإلى جانب اعتباره أن معالجة أزمة المناخ تتطلب (مشاركة جميع الدول والقطاعات الخاصة والمؤسسات الخيرية)، فإنه ومنذ وصوله إلى سدة الرئاسة، كان الرئيس بايدن يحذر في معظم خطاباته من قضية تغير المناخ وما أصبح يتعارف عليه بـ(الأمن المناخي)، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية تجددت وتتجدد مبادراته حول التزام الولايات المتحدة بمعالجة التغير المناخي والسعي في تحفيز (العمل العالمي) من أجل توثيق وتفعيل الالتزامات العالمية في هذا الشأن.

بداية، أقول إن قضية التغير المناخي ترتبط بقضايا كثيرة تبدأ بـ(الطاقة النظيفة)، ولا تنتهي بـ(الاستثمارات الدولية) لمعالجة تلك الأزمة مرورا بالطبع بما يسمى بـ(الابتكار التكنولوجي) لمواجهة هذه الأزمة التي تؤرق العالم، وليس ببعيد منا ما حمله الصيف الفائت من تغيرات مناخية جعلت العالم يعلن عبر الأمم المتحدة عن عجزه عن مواجهة الارتفاع الحاد والغير مسبوق في درجات الحرارة.

في الداخل الأميركي أيضا ومن خلال متابعتي لهذه القضية على مدى السنتين الماضيتين استطيع القول إن سياسة الرئيس بايدن في هذا الشأن انطلقت من نقاط عديدة يمكن أن اجملها في التالي:

أولا: يؤمن الرئيس الأميركي بأن الأمن المناخي لا يقل أهمية عن الأمن الدولي والإقليمي وهذا يجعله يطالب بتسريع العمل في الشأن المناخي والزراعة المستدامة والذكية والدعوة إلى أن تركز المنظمات الدولية والقارية على اقتصاديات الطاقة النظيفة، ولذلك تعهد خلال هذا العام برصد ما لا يقل عن 250 مليون دولار لتعزيز صندوق التكيف العالمي مع المناخ وتلك صناديق تسهم في تحديد مجموعات استثمارية تساهم فيما يسمى بـ(التكيف التحويلي)، في الأمن الغذائي وما يحيط به من مشاكل متعلقة بـ(العمل المناخي)، أو ما بات يعرف دوليا بـ(الاستراتيجية العالمية الجديدة للأمن الغذائي والنظم الغذائية القادرة على التكيف مع تغير المناخ).

ثانيا: أطلق الرئيس بايدن ما سماه (صندوق المساواة في مجال المناخ) بهدف الوصول إلى تمكين الشباب في مختلف أنحاء العالم من أن يكونوا قادة في مجال الطاقة النظيفة في مجتمعاتهم.

ثالثا: منذ سنتين أعلن الرئيس بايدن ومن منطلق أميركي داخلي دعوته إلى (التعهد العالمي بشأن الميثان)، والميثان هو (غاز ينبعث من الزراعة وتربية المواشي والوقود الأحفوري والنفايات وهو الغاز الثاني المرتبط بالنشاط البشري بعد ثاني أكسيد الكربون وهو مسؤول عن نحو 30 % من احترار كوكب الأرض منذ قيام الثورة الصناعية -بهدف خفض درجات الحرارة العالمية بأسرع طريقة ممكنة عبر تقليل انبعاثات (الميثان) وخفض درجات الحرارة العالمية على المدى القريب وذلك عبر تخفيضات كبيرة في انبعاثات غاز الميثان العالمية بنسبة 30 % بحلول العام 2030 حيث اعتمدت هذا (التعهد العالمي) أكثر من 130 دولة اتفقت على إطلاق مسار الطاقة الخاص بالتعهد العالمي بشأن الميثان.

ويبقى إعلان وكالة حماية البيئة الأميركية نجاحها خلال هذا العام في تعزيز المعايير المقترحة - ضمن هذا التعهد العالمي- في خفض الميثان وملوثات الهواء الناتجة عن صناعة النفط والغاز الطبيعي أمرا رائعا، واليوم يكشف الرئيس بايدن مجددا وعبر أعضاء فريقه الحاضرين في مؤتمر "COP28"، النقاب عن الخطط المحدثة في التقدم نحو تحقيق تخفيضات كبيرة في غاز الميثان في الولايات المتحدة وتقليل التكاليف على المستهلك وتأمين مكاسب اقتصادية عبر خطة داخلية تتضمن صرف أكثر من 20 مليار دولار في استثمارات تخص حصرا (انبعاثات الميثان).

رابعا: هناك أمر آخر لا يقل أهمية وهو الزراعة المستدامة ويعنى بها (بناء قطاع زراعي أكثر استدامة وصمودا عبر نظام متكامل من الممارسات الإنتاجية النباتية والحيوانية التي لها تطبيقات ميدانية خاصة تستمر على مدار فترة طويلة)، وقد أعلن الرئيس بايدن سابقا أنه سيخصص 9 مليارات دولار لهذا الغرض تهدف إلى تقليل فقدان الغابات الطبيعية داخل الولايات المتحدة والعالم بحلول العام 2030  وتم إحياء (إعلان نيويورك حول الغابات) الصادر عام 2014  في هذا العام 2023 بموافقة أكثر من 100 دولة وتم جمع أكثر من 4 مليارات دولار من اصل المبلغ المطلوب.

خامسا: خلال نقاش هنا بجوار الكابيتول قال لي أحد النواب إن الرئيس بايدن ينظر إلى قضية تغير المناخ على أنها تهديد وجودي وأنها مرتبطة بقطاعات اقتصادية مختلفة وأن الديمقراطيين يبحثون عن السيطرة على القدرة على إصدار تشريعات متعلقة بالمناخ داخل الكونغرس من قبيل ترقية ملايين المباني لتصبح مقاومة لـ(التجوية )، وكذلك تحسين حياة الأميركيين عبر ربطهم بالمبادرة العالمية (الابتكار الزراعي للمناخ)، فالزراعة تمثل في العالم نسبة 33 %من الانبعاثات الكربونية، مما يتطلب حلولا جذرية للزراعة ونظمها، وهو ما تتم اليوم مناقشته في مؤتمر، تحت العنوان الفرعي المسمى (تطوير النظم الزراعية العالمية)، والتي تهدف لتوسيع الابتكارات الزراعية على مستوى العالم أو ما بات يعرف بـ(الزراعة الذكية مناخيا) عبر توقيع 134دولة على إعلان "COP28" المتعلق بالزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والتعامل مع تداعيات تغير المناخ.

الرئيس بايدن هو اليوم يحمل لواء (إنقاذ رئة الارض) عبر وضع الميزانيات الضخمة لحماية الغابات ومشاريع الحفاظ على البيئة، وهو يعمل وفريقه على تشجيع الشراكات والاستثمارات المستقرة في الأمن الغذائي والمناخ والانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة، وصولا إلى بنية تحتية وعدالة بيئية يطمح كلا الحزبين داخل الولايات المتحدة أن يكون لها النصيب المؤثر، ولو بصورة معقولة في أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة.