لم يخطئ المراقبون أبدا عندما توقعوا تلك السخونة التي سيحملها مطلع العام 2024 على فصول الانتخابات الرئاسية الأميركية آخر العام فالسخونة الانتخابية هي العنوان اليومي المتجدد الذي انطلق مع بدء حملات الترشح للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الإثنين في انتخابات يطاردها التميز في كل تفاصيلها بدءا من كونها تحمل الرقم 60 في التاريخ الأميركي.

وبالرغم من هذه الأجواء العاصفة في الطقس وبالرغم من أن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستجري في نهاية العام إلا أن من يتابع الشأن الأميركي في الداخل يشعر أن الانتخابات لا يفصله عنها سوى أيام قليلة، بل باتت مهمة التنافس بين المرشحين المحتملين أقرب إلى أفلام الإثارة التي تأسر المشاهد لحظة بعد لحظة.

بداية أقول إن سباق الانتخابات يبحث هذه الأيام عن التبرعات مجددا خدمة لحملات المرشحين دون توقف عند التأثيرات الممكنة على (النزاهة الديمقراطية) في هذه الحالة أو عن قضية التداخل بين المال والسياسة.

وبدءا من الإثنين رأينا إنفاق مليارات الدولارات على مؤتمرات تعقد في كل أميركا تصاحبها نشاطات لا تنتهي ذلك أنه إلى جانب الـ180 مليون دولار التي يسمح بها القانون للمرشح من أجل إدارة حملته هناك إنفاق مستقل لـ(لجان العمل التابعة للمؤسسات الاقتصادية) وتسمى (لجان العمل السياسي) ولا حدود لإنفاقها.

ولن تؤثر تلك الأوضاع الاقتصادية -في رأيي- على الداخل الأميركي ومن يرى تلك السخونة التي تحملها هذه الانتخابات الغير مسبوقة فسيكون على قناعة مطلقة بأن إجمالي الإنفاق الخاص بها سيزيد حتما عن الذي أنفق على انتخابات 2020 وهو 14 مليار دولار وإلى أن تنتهي الانتخابات لن تكون المحكمة العليا قد حسمت ما يسمى في الانتخابات الأميركية بـ(أزمة التبرعات) ولن تضع معايير حاسمة لها إذ إن هذا الأمر يتصادم كثيرا مع قوانين الدستور الحالي للأمة الأميركية .

وإذا انتقلنا إلى القضايا القانونية للرئيس ترامب فحتما ستزيد هي الأخرى من سخونة هذا الانتخابات واللجان السياسية الخاصة بالرجل باتت هي الأخرى بحاجة إلى مبالغ طائلة للإنفاق على الدفاع القانوني عنه وهي إن استطاعت جمع تلك الأموال من التبرعات للحملة الانتخابية فإن ذلك قد يصطدم بتوجهات المستشار الخاص الذي عينته وزارة العدل للإشراف على التحقيقات مع ترامب وإلى الآن لا يمكن معرفة مصير الدعاوى القضائية تجاه الرجل .

الرئيس السابق ترامب صاحب الأفعال العشوائية في رأي كثير من المراقبين بات هو (حياة الحزب الجمهوري ويومياته) وهو بلا شك يملك تأثيرا مذهلا في الشؤون الاقتصادية داخل أميركا بسبب ثروته بالإضافة إلى جاذبيته غير المسبوقة التي تمنحه عناصر لا تتوافر لبقية المرشحين.

وهنا لابد من التوقف عند توجهات الشركات الأميركية الكبرى (المؤدلجة) والداعمة لأحد الحزبين والتي سنرى من خلال نشرها لأرقام التبرعات ذلك التوجه الذي يسير فيه الاقتصاد الأميركي دعما للسياسات المختلفة ببن الحزبين.

كذلك هناك (سخونة التداعيات الصحية) للرئيس بايدن والتي ستلقي بظلالها على الانتخابات من هذه اللحظة.

أما إذا تحدثنا عن وجود الكثير من المحفزات لدخول مرشح ثالث للسباق بشكل جدي مستقبلا وليس على شكل ديكور مؤقت فإن ذلك الأمر لن تكون له تلك (السخونة الانتخابية) بعدما حسم ترامب الفوز في ولاية أيوا وبات الجمهوري الأقوى وأما بايدن فلن يكون من مؤثر على احتمالية ترشيح حزبه له سوى وقوع حالة مرضية قوية له وبالتالي فنظرية (المرشح الثالث) والذي يريد كثيرون أن يكون(حصان طروادة) باتت إرهاصات تلاشيها تكبر يوما بعد يوم.

السخونة الانتخابية باتت تدخل فيها مصطلحات لم يعهدها الناخب الأميركي حيث أصبح استحضار الأمور العقائدية وربطها بتوجهات الناخبين ديدن بعض المرشحين.

ويمكنني القول هنا إن سخونة الانتخابات وتعدد المرشحين الذين لا يملكون الحظوظ الانتخابية في المرحلة النهائية يبقى الهدف منه توحيد الحزب حول مرشح نهائي.

وكانت أطروحات المرشحين الآخرين تهدف من غير تعمد إلى إكمال النواقص التي تحملها السياسات الخاصة بذلك (المرشح النهائي).

السخونة الخارجية المواكبة لانطلاق الانتخابات الرئاسية الأميركية هي كذلك تنطلق اليوم من مخاوف كثيرة من وصول ترامب للرئاسة مجددا، فأوروبا على قناعة أنه سيطلب منها إنفاق نسبة تزيد عن 2 بالمئة من الناتج المحلي على التسليح كونها في حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا تدرك أن أميركا باتت تشعر بحرج شديد من البطء في حل أزمتها ناهيك عن الصين والشرق الأوسط الملتهب وحتى المهاجرون على الحدود الجنوبية لا يشكّون مطلقا في أن فوز ترامب يعني ترحيلهم والخصوم السياسيون لا ينسون تصريحه بأنه سوف يستخدم سلطاته ضدهم في حال فوزه وحتى أنصاره باتوا يخشون من أن تنعكس المحاكمات وفصولها التي لا تنتهي على شخصية الرجل خلال شهور الانتخابات عبر حالات من التوتر والألفاظ الشعبوية التي باتت تغزو أميركا الجنوبية وأوروبا ناهيك عن التخوّف من السلوكيات غير المنضبطة وربما التصريحات غير المسؤولة لمرشحهم.

في الخلاصة هناك استقطاب غير مسبوق وسخونة انتخابية لم تعصف بها الأجواء الباردة في الولايات المتحدة فالرئيس ترامب يحلم باسترجاع النصر الذي يدعي دوما أنه كان صاحبه في انتخابات 2020 وهنا في الكابيتول وبالقرب من واشنطن أصبحنا نسمع عن تهديدات سياسية تشير إلى عنف سياسي خلال الأشهر المقبلة تطال العمليات الانتخابية في بعض الولايات وهو أمر لم يعرف أبدا في تاريخ أميركا وتبقى ولايات محددة هي التي ستحسم لاحقا الصراع بين الحزبين على الرئاسة.

وإن كان ترامب يثبت يوما بعد يوم أنه غير قابل للمنافسة وأنه لا ينافس إلا نفسه فقد نجح يوم أمس في أول اختبار صعب في ظل ملاحقات قضائية لا تنتهي كانت نتائجها زيادة شعبيته بشكل لا نظير له.