يوما بعد يوم يحتار المراقبون فيما يمكن أن اسميه بـ(الكاريزما العجيبة) للرئيس دونالد ترامب وفي قدرته على استثمار أي موقف طارئ لمصالحه السياسية وشعبيته التي لا مثيل لها في التاريخ الأميركي.

وليس ببعيد منا استثماره المدهش للصفقة الأخيرة بين حماس وإسرائيل عندما أعلن أن عدم إطلاق حماس حتى اليوم لرهينة أميركية واحدة مرده إلى سبب واحد هو عدم احترام منظمة حماس ولجان التفاوض لأميركا وقيادتها وأن هذه فترة حزينة ومظلمة للغاية في أميركا ملمحا إلى أن سبب ذلك هو السياسات التي ينتهجها الرئيس الحالي.

في الداخل الأميركي يبدو ترشح ترامب للرئاسة أمرا حتميا فما من استطلاعات رأي إلا ويتصدرها.

وما من أميركي إلا ويرى فيه (الكاوبوي المنتظر) الذي سيعيد لأميركا قوتها التي تتبدد على أيدي الديمقراطيين وبالتالي سيبقى له ظله في المجتمع الأميركي عبر الإيمان بأنه بمثابة المخلص الذي تتطور قوته وتتسارع.

وكذلك أيضا في الداخل الأميركي هناك هذا التسونامي الإعلامي من إلقاء الضوء على المبعوثة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي بوصفها تستطيع منافسة ترامب مطلع العام المقبل في انتخابات الحزب الجمهوري، لكن يبقى ترامب متصدرا حتى وإن سلط الإعلام المسيطر (ماين ستريم) داخل أميركا سطوته وجبروته التقني.

ويبقى ترامب يسبق في استطلاعات الرأي كل منافس له سواء هايلي أو ديسانتيس حيث بات في رأيي ودون أدنى شك أن الناخبين الجمهوريين يحبذون ترامب بنسبة تفوق 50 بالمئة.

ويؤكد هذا تقرير نشره قبل ساعات مركز بروكينغر وأيضا ما نشرته نيويورك تايمز مطلع الأسبوع من أن كبار الأثرياء في الحزب الجمهوري قد اقتنعوا تمام الاقتناع بأن ترامب هو مرشح الحزب وأنهم ملزمون بدعمه في جمع التبرعات للحملة الانتخابية.

غريب أمر الرئيس ترامب حتى طيفه وطريقته الشعبوية باتت تأسر شعوبا أخرى فقد دفع (حزب الديمقراطيين السويديين) قبل ساعات بالمرشح جيمي أكيسون إلى هرم القيادة في الحزب لا لشيء سوى أنه يشابه الرئيس ترامب في أطروحاته كما قال أعضاء الحزب وباتت (حمى ترامب) تصيب كثيرا من الساسة كما رأينا في الأرجنتين بل بات بمثابة المرشد الأعلى، الذي بارك فوز خافيير قائلا له: اجعل الأرجنتين عظيمة مجددا كما نظرته هو إلى ضرورة عودة أميركا لمجدها.

هنا في واشنطن وبالقرب من الكابيتول أبلغني أحد الأصدقاء في الكونغرس عن حضوره يوم السبت لمباراة في كرة القدم الأميركية برفقة الرئيس ترامب والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام في كولومبيا عاصمة ولاية كارولينا الجنوبية وأنه اندهش من حجم المحبة الحقيقة للرئيس ترامب ساعة نزوله ساحة الملعب مع حاكم ولاية كارولينا الجنوبية هنري ماكماستر، حيث أن كثيرا من الأميركيين باتوا يرددون عبارة ترامب القائلة أن جريمته الوحيدة التي ارتكبها هي دفاعه بلا خوف عن أميركا ضد أولئك الذين يسعون إلى تدميرها فقد بات وسيبقى الظاهرة الأبرز في تاريخ الانتخابات الأميركية وأصبح مصطلح (الظاهرة الترامبية) حقيقة لا جدال فيها واستطاعت تلك الظاهرة أن ترسخ أطروحات بدت في العقود الماضية باهتة ومنسية مثل (أميركا أولا) و(معاداة العولمة) و(إنقاذ المسيحيين البروتستانت) -أصحاب البشرة البيضاء - من صعود السود والملونين والأعراق الأخرى ناهيك عن انسحابه من اتفاقيات أضرت بالاقتصاد الأميركي وهو اليوم - أي ترامب - يعود إلى أن يكون ظاهرة متجددة كانت المصاعب التي ألمت بها خلال سنوات بايدن الموشكة على الانتهاء بمثابة (المنشطات) لتلك الظاهرة الترامبية وبمثابة الضربات التي منحتها قوة هائلة فلا المحاكمة أضرت به بل سوقت له انتخابيا من حيث لم يرد خصومه ولا قضية الإهمال الوظيفي عبر الاتهام باحتجاز وثائق رسمية في بيته ومنتجعه لقيت صدى عند مناصريه ولا محاولة إضعافه في أروقة الحزب الجمهوري وبين مؤيدي حزبه أضرت به بل زادت شعبيته بينهم بشكل ملفت ولا واقعة اقتحام مبنى الكابيتول قضت على مستقبله السياسي حتى ولو كانت أضرت بالحزب الجمهوري بل بقي الرقم الأكبر في معادلات السياسة الأميركية وباتت أفكاره أقرب إلى (العقائد) عند كثير من الأميركيين الذين دغدغت مشاعرهم منهجية التعصب القومي والديني التي يعلنها وصولا لحربه الكلامية على المكسيك والأميركيين الأفارقة وكذلك احتقار الفريق العامل معه لكل ما هو غير أميركي.

الظاهرة الترامبية عندما تراها يسبق إلى ذهنك مباشرة احتمالية الفوضى في العلاقات السياسية في العالم وعدم امتثال استراتيجيات عاشت عليها الإمبراطورية الأميركية عقودا طويلة من الزمن مثل أن تكون حريصة على التدخل في كل شؤون العالم الآخر وقيادته بعيون أميركية والتدخل في اقتصاده وشؤون مجتمعاته بل أن فهم السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب المقبل ستصعب قراءة معالمها  فاستراتيجية الأمن القومي في عهد ترامب السابق انطلقت من عدم مبالاة بالاتفاقيات الدولية المبرمة والعلاقات غير المستقرة مع الشركاء في الناتو والاتحاد الأوروبي.

الظاهرة الترامبية مذهلة.. ذلك أنني عندما التقيت الرئيس ترامب في منتجع فريقه الرئاسي تذكرت على الفور ما يسمى بـ(مسرح الرجل الواحد)، الذي حتى وإن تواجد معه عشرات الممثلين فإن عينيك لا يمكن أن تزيح عنه وكأنه لا يوجد غيره بل كأنه بات أحد أبطال المسلسلات الأميركية التي تتجاوز أعداد حلقاتها الآلاف ولا زالت تعرض متتابعة منذ عقود إلى اليوم فالرجل أصبح دراما لا منتهية فلا يذكر الحزب الجمهوري إلا وتذكر معه شعبوية ترامب وشعبيته، التي تعلقت بالقومية الضيقة والاستعلاء على الآخرين إلى جانب النرجسية المفرطة والنجاح التجاري المذهل وتوجيه الاتهامات المتكررة إلى الخصوم في اليسار الراديكالي والشيوعيين والماركسيين والفاشيين وحتى الجمهوريين المعتدلين وكل الخصوم السياسيين عبر وصفهم بـ(الحشرات).

اليوم يتقدم ترامب أيضا في استطلاعات الرأي على جو بايدن كما أعلنت يوم الأحد صحيفة ذا هيل وnbc  ومجلة بوليتيكو في عددها هذا الشهر وحتى نيويورك تايمز في استطلاعها بالتعاون مع جامعة (سيينا ) وبات تصنيفه الايجابي يفوق نسبة الـ42 بالمئة حسب استطلاعات موقع (فايف ثيرتي إيت) بالرغم من إعلانه هذا الشهر أنه لن يكون هناك مكان في أميركا لأي داعم أو مؤيد لحماس بالرغم من مأساوية الأحداث التي عاشها الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر.

اليوم يعلن ترامب أن خطته الاقتصادية المقبلة بعد عام ستقوم على تقليص اللوائح الفيدرالية وعلى التخفيضات الضريبية للأفراد والشركات والضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة  وإنشاء ما أسماه بـ(مدن الحرية) لتحفيز نمو الوظائف والابتكار التكنولوجي وتقييد الهجرة القانونية وغير القانونية عبر مبدأ (تعزيز سياسات الهجرة المتشددة) وتعود ظاهرته (الترامبية) إلى أن تأسر بقلوب

معظم الأميركيين وبات الجميع ينتظر العودة المليئة بالضجيج والصخب لرئيس أميركي تستحيل (كاريزمته الترامبية ) أن تتكرر ولو بعد 100 عام.