لم تفلح محاولات جماعات الضغط المعروفة والإعلام المؤيد لجماعات الإرهاب في تشويه الإجراءات التصحيحية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد لوقف نزيف الفساد السياسي في البلاد.

فأوروبا اقتنعت بأهمية ما جرى لمصلحة استقرار تونس وقبلت بضمانات الحفاظ على الدستور، والولايات المتحدة رفضت محاولات بعض القوى إقناعها بأن ما حدث "انقلاب على الديمقراطية".

ولم يجد تباكي بعض من يسمون "ليبرالجية" ومن "ليسوا أخوان لكن يحترموهم" على "التجربة المتبقية في المنطقة" مما سمي "الربيع العربي"، في إيهام أحد بأن هناك "مؤامرة" على تونس، ولا بد هنا من التأكيد على أن الفضل الأول والأخير يعود للشعب التونسي قبل غيره في ذلك.

تونس فعلا غير بقية الدول العربية التي شهدت احتجاجات شعبية قبل أكثر من عقد من الزمن، فتراث زعيمها الراحل الحبيب بورقيبة التنويري لم يضع هباء تماما رغم فترة حكم زين العابدين بن علي الذي أطاحته الاحتجاجات.

ومستويات التعليم والانفتاح والتسامح في تونس أعلى من بقية دول المنطقة المماثلة، صحيح أن فترة حكم بن علي ساعدت على انتشار بعض أفكار الجماعات المتشددة، ولم يكن ذلك ملفتا لأحد من متابعي الشأن التونسي لكن من عرف تونس جيدا مباشرة كان يمكنه أن يلحظ ذلك بين التونسيين العاديين في مناطق الداخل، وحتى في الساحل بوضعه الاقتصادي الأفضل وأيضا في بعض أحياء العاصمة الشعبية.

لكن تلك الموجة كانت مكبوتة تماما وظهرت على السطح مع احتجاجات 2011، لذا كان التونسيون حاضرون بقوة بين عاصر الجماعات الإرهابية في الخارج بحساب نسبتهم لعدد السكان، حتى قبل صعود حركة النهضة الإخوانية للحكم بعد عهد بن علي.

لكن لأن تونس غير، فقد كانوا أكثر حيوية في مقاومة هيمنة كاملة لحركة النهضة على المشهد منذ البداية، وأدركت قيادة الإخوان ذلك فقبلت بالمشاركة، وإن بأغلبية، حتى تستطيع السيطرة تدريجيا (وتلك الانتهازية التقليدية لدى التنظيمات المماثلة: الاستكانة حتى التمكين).

حدث في تونس مثلما حدث في ليبيا، ففي الانتخابات الأولى بعد التغيير في تونس فازت النهضة بنسبة 40 بالمئة من نواب المجلس الوطني التأسيسي، وشكلت الحكومة مرتين، لكن في الانتخابات الأخيرة قبل عامين لم يصل نصيبها من نواب البرلمان إلى الربع.

واستمرت الحركة تحكم بالتحالفات، غالبا مع بقايا النظام القديم الذي غالبا ما يستقيم الإخوان معه في أغلب الدول التي ينشطون فيها، على عكس ما حدث في ليبيا عندما سيطر الإخوان في البداية وحين خسروا الانتخابات التالية فجروا البلاد وجعلوها مرتعا إقليميا لكل جماعات الإرهاب المنبثقة عنهم، حتى استقدموا بقايا داعش والقاعدة من أقصى الشرق عبر تركيا.

إنما في تونس، كان وعي الشعب وتراثه المختلف حصنا للبلاد من تمكين الإخوان أن يفعلوا بتونس مثلما فعلوا بليبيا.

مع ذلك، يحمل أغلب الشعب التونسي حركة النهضة الإخوانية مسؤولية الفساد المالي والسياسي الذي وصل بالبلاد إلى حافة الانهيار، وكما قال سعيّد فقد سرق نحو 5 مليارات دولار من البلد.

ويدرك التونسيون أن كل محاولات الإصلاح تكسرت على عناد النهضة وتمسكها بمواقفها تحالفاتها لضمان الهيمنة، فلم يكن أمام الرئيس سوى اللجوء لأقصى ما يسمح به الدستور لوقف التدهور ومحاولة تعديل المسار السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل استقواء البعض (في مقدمتهم الإخوان) بالخارج عبر الدعم السياسي والمالي ومحاولة تحويل البلاد لمجرد "ملحق" للوضع في ليبيا.

قد يستغرب البعض من محاولة النهضة الفاشلة للاعتصام أمام البرلمان، وكيف تصرف زعيمها راشد الغنوشي الذي اعتبره كثيرون، خاصة في الغرب، مختلفا عن بقية الإخوان في العالم. وهو صحيح مختلف، لكنه أكثر خطرا باختلافه هذا، فهو أقرب للراحل السوداني حسن الترابي منه لقيادات الإخوان التقليدية في مصر مثلا، لذلك هو الشخصية الرئيسية في التنظيم الدولي للإخوان، مظلة الإرهاب والتشدد في العالم.

وواضح أن سنوات السلطة بعد عودته إلى تونس من لندن كشفت عن الخصال الإخوانية التقليدية، وصبغت الحركة أكثر بمن كانوا في تونس من قياداتها، مثل علي العريض وحمادي الجبالي وحتى دينامو الحركة الحالي نور الدين البحيري.

مرة أخرى، كان وعي التونسيين حائط الصد لمنع الإخوان من القيام بما قاموا به في مصر عام 2013 وما بعده، وحتى من لا يؤيدون الرئيس من التونسيين فهم حريصون على مصلحة بلادهم واستقرارها ويدركون أن الإخوان ليسوا في صف تلك المصلحة، إنما دائما مع مصالحهم الذاتية ويتحالفون "مع الشيطان" لتحقيقها.

كما يستطيع التونسيون التمييز في مواقف الدول الأخرى بين من يدعم استقرار وتقدم بلدهم بموقفه المؤيد لإجراءات الرئيس، ومن أراد تحويل بلادهم لترانزيت لدعم الإرهاب واستمرار الحرب في ليبيا وربما الجزائر.