صعدت البنوك المركزية وسلطات تنظيم أسواق المال في كثير من دول العالم حملتها على العملات المشفرة مثل بيتكوين مؤخرا.

وتزامن ذلك مع زيادة ملحوظة في عمليات السرقة والنصب المرتبطة بالمشفرات وكذلك عمليات القرصنة الإليكترونية وطلب فدية بيتكوين ومشفرات أخرى.

كما رفض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مساعدة السلفادور على استخدام بيتكوين مرجعا السبب إلى المضار البيئية الهائلة للعملات المشفرة التي تستهلك كميات غير عادية من الطاقة في عملياتها وكذلك استخدامها في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من الجرائم المالية.

وبدأت الصين منذ فترة حملة واسعة لتنفيذ تحذيراتها السابقة منذ عام 2017 بعدم التعامل في العملات المشفرة.

وتشن حملات مكثفة على من يقومون بعمليات "تعدين" العملات (أي تخليقها عبر شبكة بلوكتشين وهو ما يحتاج إلى أجهزة كمبيوتر كثيرة وقوية تستهلك قدرا هائلا من الطاقة).

وتستهلك عمليات بيتكوين وحدها ما يزيد عن استهلاك دولة متقدمة مثل هولندا من الكهرباء، وهو ما يسهم بشكل كبير في زيادة الانبعاثات الكربونية وبالتالي التغير المناخي لكوكب الأرض.

لكن الهجوم الأشد على بيتكوين جاء قبل أيام من بنك التسويات الدولي الذي يعد البنك المركزي العالمي للبنوك المركزية في كل الدول.

فغير أنه وصف المشفرات بأنها "ليست عملة"، وهو ما يتفق عليه أغلب مؤسسات العالم المالية والنقدية، اعتبرها وسيلة لتمويل الإرهاب وغسيل الأموال والتهرب الضريبي وجرائم مالية أخرى. بل حتى كونها أصلا رقميا للتداول كبقية المشتقات الاستثمارية في اسواق المال، اعتبرها البنك خطرا يهدد النظام المالي العالمي. ووصف العملات المشفرة والعملات الرقمية الخاصة، مثل ليبرا التي سيطلقها فيسبوك، بأنها "المصران الأعور" للنظام المالي العالمي.

في بريطانيا، وبعد الابلاغ عن عمليات سرقة وتدليس مرتبطة بالعملات المشفرة، حظرت السلطات شرطة بينانس لتداول وصيرفة العملات المشفرة، وهي من كبريات شركات المشفرات في العالم.

وقامت أغلب البنوك البريطانية بوقف التحويلات من حسابات عملائها إلى شركات العملات المشفرة مثل بينانس وسويس بورج غيرها.

وكانت هيئة الممارسات المالية البريطانية حذرت المتعاملين في المشفرات بأنهم يمكن أن يخسروا كل ما لديهم، بعدما لاحظت ارتفاع عدد البريطانيين المتعاملين فيها إلى أكثر من 2 مليون بريطاني.

مشكلة شركات المشفرات أنها إما غير خاضعة لأي قواعد تنظيمية أو مسجلة في مناطق أوفشور، مثل شركة بينانس المسجلة في جزر كايمان. كما أن أهم ميزات المشفرات أنها لا تخضع لأي تنظيم، ولا تصدرها أي سلطة رسمية في اي مكان.

كما أن كل معاملاتها تتسم بالمجهولية التامة، بحيث لا يعرف من دفع لمن أو من حول ماذا وإلى أين.

ومع ارتفاع سعر بيتكوين ليتجاوز 60 ألف دولار في وقت سابق من هذا العام، زادت عمليات النصب والسرقة المرتبطة بالمسفرات، خاصة بيتكوين.

ورفعت السلطات الأميركية الشهر قبل الماضي قضية أمام المحاكم على مجموعة من الأشخاص نصبوا على مودعين أميركيين بنحو ملياري دولار بأن نشروا اعلانات تغريهم بالاستثمار في مشتق طوروه (بيتكونيكت) للتداول في العملات المشفرة على أن يحقق لهم عائدا بنسبة 40 بالمئة! وانهار مشتق بيتكونيكت وخسر الناس أموالهم.

وفي الشهر الماضي، وللمرة الثانية خلال عام، شهدت جنوب إفريقيا اختفاء أخوين في العشرينات من العمر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار من أموال المساهمين في شركتهم لتداول المشفرات.

وفي العام الماضي انهارت شركة أخرى في جنوب إفريقيا وضاع نحو مليار ونصف المليار دولار على مساهميها.

كل تلك الأحداث لم تردع أحد، بل يزيد الإقبال على التعامل في المشفرات يوميا، لكن ذلك ليس السبب قط وراء الحملة من البنوك المركزية والسلطات المالية التقليدية على بيتكوين وأمثالها.

يقول أنصار المشفرات إن النظام المالي التقليدي يخشى من هيمنة العملات المشفرة بما توفره من حرية مطلقة وبالتالي تخسر السلطات قوتها ونفوذها وتحكمها في عمليات عالم المال.

لكن كي يحدث ذلك، على العملات المشفرة أن تقبل أولا في النظام المالي التقليدي وهو ما استبر كثيرون أنه على وشك الحدوث في العامين الأخيرين مع اتجاه رسمي عالمي لتنظيم تداولات المشفرات.

لكن افتقاد تلك المشفرات لمقومات النقد لا تجعل منها عملة، إنما أصل استثماري رقمي مثل شهادات ضمان القروض وغيرها.

ومع التذبذب الهائل في قيمة تلك العملات في الأشهر الأخيرة نتيجة عمليات المضاربة الهائلة، أصبح حتى تنظيمها كأصل استثماري أمرا مشكوكا فيه.

ومع استعداد البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية لإصدار عملات رقمية وطنية، مثل اليوان الرقمي واليورو الرقمي، تنحسر فرص قبول المشفرات والعملات الرقمية الخاصة ضمن النظام التقليدي.

لكن ذلك لن يعني نهاية المشفرات، بل ستظل أصلا استثماريا رقميا يقبل عليه من لا يخشون المخاطر في عمليات مضاربة لتحقيق أرباح هائلة وبسرعة شديدة. وبما أن المشفرات باقيات، تظل هناك حاجة لتنظيم تداولها وصيرفتها من قبل السلطات المالية الرسمية، حماية للمتعاملين من ناحية ودرءا لمخاطرها على النظام المالي العالمي من ناحية أخرى.