قبل 3 أيام كشف البيت الأبيض عن ميزانية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة ستعمل حسب الإعلان على زيادة الإنفاق في قطاعات البنية التحتية والتعلم ومكافحة التغير المناخي والرعاية الصحية وغيرها مما يخص الداخل والخارج في أميركا.

ويرى المسؤولون في البيت الأبيض أن هذه الميزانية الضخمة هي الاستثمار المنطقي في الوقت الراهن، مع انخفاض نفقات الاقتراض، وستعمل على تخفيض العجز في مراحل لاحقة.

ويعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن، تقديم مشروع هذه الموازنة للسنة المالية القادمة 2022 بما قيمته 6 تريليونات دولار في الأيام المقبلة، وهي الميزانية الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية وسيكون كذلك مستوى الإنفاق الفيدرالي فيها هو الأعلى كذلك.

فالعام المالي بأميركا يبدأ في أول أكتوبر من كل عام، لكن هذه الخطة تحتاج إلى موافقة الكونغرس، حيث كان أول تصريح حول نقاط هذه الميزانية للسيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام الذي وصفها بأنها "باهظة الثمن إلى حد الجنون" في وصف يطابق الحقيقة التي حملتها لاحقاً تصريحات كثير من أعضاء الكونغرس.

وفي عودة إلى تصريحات الرئيس بايدن خلال الانتخابات وكذلك في الأشهر الأولى من هذا العام فقد كان لافتا أن بايدن كان دائما يكرر إنّ واشنطن بحاجة الى إنفاق كبير لمساعدة أكبر اقتصاد في العالم على التعافي من تبعات جائحة كوفيد-19 وتحسين قدرات الولايات المتحدة التنافسية ضد الدول الأخرى.

وكذلك لا ننسى أنه وفي مارس الماضي تمكّن الرئيس الديمقراطي من تمرير خطة إنقاذ بقيمة 1.9 تريليون دولار لدعم التعافي، لكنّ مقترحاته المتعلقة بالبنى التحتية والخدمات الاجتماعية واجهت معارضة من الجمهوريين الذين يشعرون بالقلق بشأن تكاليفها والزيادات الضريبية المطلوبة لتمويلها.

الرئيس بايدن قال لدى إعلانه عن مقترح الموازنة إنه لا يمكن للولايات المتحدة ما بعد الوباء "العودة بكل بساطة إلى ما كانت عليه الأمور في السابق".

وتابع: "علينا اقتناص اللحظة لإعادة تصور وإعادة بناء اقتصاد أميركي جديد".

وقد وصف بايدن باختصار هذه الموازنة في رسالة تمهيدية بقوله: "الميزانية مبنية على فهم أساسي لكيفية عمل اقتصادنا ولماذا لم يحدث ذلك لفترة طويلة جدًا وللكثير من الأشخاص. إنها ميزانية تعكس حقيقة أن الاقتصاد المتدرج لم ينجح أبدًا، وأن أفضل طريقة لتنمية اقتصادنا ليست من أعلى إلى أسفل، ولكن من أسفل إلى أعلى ومن المنتصف إلى الخارج".

فريق الرئيس الأميركي في البيت الأبيض رأى أن خطط الـ6 تريليون دولار ستساعد في رأب صدع (اللامساواة التاريخية)، و(التغير المناخي) وستوفر 4 أعوام من التعليم العام وستغطي نفقاتها في 15 عام مع زيادات ضريبية هادفة لتقليص العجز بعد 2030.

ولنتوقف مثلا عند تصريحات سيسليا روس، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس بايدن، والتي قالت فيها إن الخطة معدة، والإدارة مستعدة للتعايش مع عجز الميزانية في ظل بيئة العوائد المنخفضة، والهدف من ذلك إحداث أثر قوي على الاستثمارات باقتصاد الأمة.

وتوقعت تراجع العجز بالميزانية لأكثر من 2 تريليون دولار خلال السنوات المعقبة، لذلك روس قالت أيضا أنه "تحت الإدارة السابقة كان هناك تخفيضات ضريبية هائلة تسببت في تعميق المشكلة المالية على المدى الطويل والاختبار الأهم للصحة المالية سيكون معدلات فائدة المدفوعات على الدين. وهذا ما سيوضح لنا ما إذا كان الدين يثقل كاهل الاقتصاد، ويبقي المستثمرين بعيدًا".

أما وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، فترى إن الميزانية الضخمة سترفع حجم الدين وستزيد من وتيرة نمو الاقتصاد، ولكنها لن تسهم في زيادة الضغوط التضخمية.

أما موقف الكونغرس من هذه الموازنة فلابد من الإشارة إلى أنه أمام الكونغرس حتى نهاية سبتمبر لسن قوانين إنفاق جديدة.

ويتمتع الديمقراطيون بقيادة بايدن بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، وميزة ضئيلة بمقعد واحد على الجمهوريين في مجلس الشيوخ المؤلف من 100 مقعد.

وعلى عكس معظم مشاريع القوانين الأخرى، يمكن تمرير إجراءات الميزانية بأغلبية 51 صوتا فقط بدلا من 60 صوتا مطلوبا عادة، مما يعني أنه قد يكون قادرا على توقيع بعض خططه لتصبح قانونا دون دعم جمهوري.

وانتقد الجمهوريون بالفعل بايدن بسبب حجم إنفاقه، بما في ذلك 1.9 تريليون دولار التي أنفقها على الإغاثة من فيروس كورونا في وقت سابق من هذا العام.

أما عن الشرق الأوسط وأزماته التي لا تنتهي فقد ذكرت إدارة الرئيس جو بايدن أنها قدمت ميزانية وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية للسنة المالية 2022، بقيمة مالية تبلغ 58.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 5.5 مليار دولار أو 10 بالمئة عن المستوى المقرر في السنة المالية 2021.

وستمكّن هذه الميزانية وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية من المساعدة في تحقيق رؤية الرئيس لاستعادة القيادة الأمريكية وتوفير الأمن والازدهار لجميع الأميركيين.

كما تدعم شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتعزز السلام في المنطقة، ويمول طلب الميزانية بالكامل التزامات الولايات المتحدة تجاه الحلفاء الرئيسيين في الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل والأردن.

ويمول طلب الميزانية برامج المساعدة والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين، بما في ذلك دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا).

وكذلك ستحافظ الولايات المتحدة على دعمها الثابت لإسرائيل بينما تجدد الإدارة العلاقات مع القيادة الفلسطينية، وتستعيد المساعدات الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين، وتعمل على تعزيز الحرية والازدهار والأمن للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء.

أخيرا يبقى السؤال المهم دوما عند طرح أي ميزانية وهو مسألة التضخم والعجز؟

البيت الأبيض يقدر أن الخطة ستدفع بالكامل في غضون 15 عاما حيث أن الزيادات الضريبية تقضي على العجز.

لكن النقاد يشككون في النهايات السعيدة المتوقعة بعد فترة طويلة من ترك بايدن منصبه وقد حذر بعض الاقتصاديين، بمن فيهم لاري سمرز، الذي كان مستشارا للرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون، من أن مثل هذا الإنفاق الحكومي الهائل قد يؤدي إلى زيادة التضخم، مما يجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيزيد بدوره من مخاطر الركود.

وتتوقع ميزانية بايدن إضافة 14.5 تريليون دولار إضافية إلى ديون الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل، ويمكنني أن نستنتج أن "هذه الميزانية هي أجندة للنمو الاقتصادي القوي والدائم، وإنها ستوفر اقتصادًا قويًا الآن ولعدة عقود في المستقبل، وهي استثمار في الأميركيين في جميع أنحاء البلاد الذين يدعمون اقتصاد بلادهم فلا يمكن أن ينسى تلك التهديدات الاقتصادية التي يشكل الاخطبوط الصيني المدماك الأول في محاولات القضاء على اقتصاد الولايات المتحدة القوي على الدوام رغم التحديات المتكررة.