مع نهاية العام، تنتهي الفترة الرئاسية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي هز على مدى 4 سنوات الكثير من الثوابت التقليدية ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في العالم أجمع.

ومنذ فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2016 وحتى الآن، يواجه ترامب انتقادات تصل إلى حد الهجمات في أميركا وخارجها.

ومنذ الانتخابات الرئاسية الأميركية مطلع نوفمبر الماضي، وفوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، تنهال التحليلات والتعليقات التي تعدد مثالب رئاسة ترامب ووتوقع تحسنا كبيرا على يد الإدارة الجديدة داخليا وخارجيا وحتى ما يتعلق بكثير من القضايا الدولية.

ربما لا يعدو كثير مما يقال ويكتب أن يكون أقرب من "تفكير بالتمني" عنه من الواقع الحقيقي، وكما أن الأزمات تدفع أغلب الناس للغرق في حالة "الحنين إلى الماضي"، فإنها أيضا تجعل الناس تتوقع الخلاص من أي تغيير بغض النظر عن مدى دقة ذلك.

بغض النظر عن كل التفاصيل التي يستخدمها كثيرون في إسناد آرائهم وتوقعاتهم، فالأمر الأهم هو أن يكون موقفنا من واشنطن والإدارة الموجودة في البيت الأبيض مبنيا بالأساس على موقف واشنطن من القضايا التي تهمنا وتتقاطع مع مصالحنا.

ولعل أهم خطر يواجه المنطقة في السنوات الأخيرة هو الإرهاب المتسربل بالدين والدول والقوى التي تموله وتدعمه وتوفر له غطاءا بتمرير وهم الفارق بين اعتدال وتطرف في هذا الارهاب الذي خرج جميعه من عباءة تنظيم الإخوان.

يتوازى مع هذا الخطر، التهديد الإيراني لدول المنطقة خاصة عبر أذرعها المحلية في عدد من الدول من العراق إلى اليمن.

وعلى هذا الأساس، كانت إدارة ترامب من أفضل الإدارات الأميركية تقاطعا مع مصالحنا.

ودون مصادرة على ما يمكن أن تكون عليه سياسة إدارة بايدن تجاه المنطقة، يمكن القول ببساطة إن هذا التغيير في واشنطن بالنسبة لنا ربما ينطبق عليه مثل مستخلص من هذه الحكاية الفولكلورية:

(يحكى أنه في احدى قرى بلادنا، كان هناك شحص معروف عنه سرقة كفن الميت بعد دفنه. كان سارق الأكفان هذا يأخذ القماش فور دفن الميت ويستفيد منه لعوزته، ولكنه يعيد الميت إلى المقبرة بلا كفن ويردم عليه وكأن شيئا لم يكن. كان لهذا الرجل ابن، ولما توفى سارق الأكفان ما كان الناس يذكرون ابنه إلا بصفة: "ابن سارق الاكفان".

ضاق الابن، الذي كاد الناس ينسون اسمه الأصلي من كثرة استعمال تلك الصفة البغيضة، فسعى لمحو هذه السبة التي لصقت به. ذهب لحكيم القرية وقال له إنه مستعد لأن يعطيه ما يطلب على أن يجد له طريقة يتخلص بها من ذلك اللقب البغيض. فسأله الحكيم إن كان جاهزا لأن يفعل ما يطلبه منه فرد بالإيجاب وهو لا يعلم سوى أن أي شئ يهون مقابل أن يتوقف الناس عن ذكره بانه "ابن سارق الأكفان". قال له الحكيم انتظر أول ميت في القرية، وبعد دفنه إذهب في الليل وانزع عنه كفنه لكن لا تعيد دفنه، بل اسحب جثته على قارعة الطريق وانتهكها ببشاعة. استغرب الإبن قليلا، لكنه وافق.

ولما فعل ما نصحه به الحكيم، إذا بأهل القرية كلهم في صباح اليوم التالي كلما مروا بطريق المقابر يرددون: "الله يرحم سارق الأكفان، كان يستر جثة الميت في التراب. الله يرحم سارق الأكفان، لم يكن يشوه جثة المتوفي..". وعاد الناس يتذكرون اسم الابن ويترحمون على سارق الأكفان.)

الحكمة من الحكاية أن الاحتمال وارد أن تكون مواقف الإدارة الجديدة من قضايانا ومصالحنا، خاصة الموقف من خطر الإرهاب، بالشكل الذي يجعلنا نأسف لرحيل ترامب.

ذلك في الوقت الذي لا تنقص إدارة ترامب العيوب والمثالب، لكنها بالنسبة لنا قد تكون أقل ضررا مما يمكن أن يؤدي إليه التغيير من إصرار على اشراك الإخوان في السلطة في الدول التي ما زالت تعاني من تبعات الاحتجاجات الشعبية ضد أنظمة الحكم قبل عقد من الزمن.

ولن تعدم إدارة بايدن أكثر من "حكيم" يدعمها في هذا التوجه الخطير، من لندن إلى برلين.

ليس معنى ذلك الاستسلام لأي احتمال، وإنما على دول المنطقة الاستعداد لبذل جهد أكبر للحيلولة دون تدخل أميركي في قضايا المنطقة بما يضر بمصالحنا وأولوياتنا.

ربما يكون الجهد المطلوب أكبر مما كان مع إدارة ترامب، لكن ما يؤثر فيه بالسلب هو احتمال تواطؤ قوى إقليمية مع توجهات إدارة بايدن لأغراض تتعلق بطموحات توسعية تعتمد على التيارات المتطرفة والإرهابية.

وهذا في تصوري أشد خطرا من سارق الأكفان وما فعله ابن سارق الأكفان من انتهاك حرمة الموتى.