ما زال الأتراك، والمعنيون بأمر تركيا خارجها، يقرأون الصعود السريع والوقوع المفاجئ لصهر الرئيس رجب طيب أردوغان ودلالة ذلك على المستقبل السياسي لحكم "العائلة الأردوغانية" ومستقبل الحزب الحاكم نفسه.

رغم سيطرة أردوغان وأهله وعشيرته، على الإعلام التركي تقريبا إلا أن ذلك لم يحل دون تلمس ما يناقشه الأتراك عن سقوط "العريس"، حيث يوصف بيرات ألبيرق منذ دخوله البرلمان والحكومة عام 2015.

ورغم أن والد بيرات، الكاتب "الإسلامي" صادق ألبيرق، صديق أردوغان وممن ساعدوه في اختطاف حزب الرفاه من الراحل نجم الدين أربكان، فإن تصعيد أردوغان له لم يكن رد جميل، بل كان في الواقع كما يصفه كثير من الأتراك بالعريس، لأنه زوج ابنة أردوغان الكبرى إسراء ووالد أحفاده.

بل ليس ذلك فحسب، إنما لأن بيرات فيه كثير من رجب نفسه – خاصة العنجهية والصلف والاعتقاد بأنه يعرف كل شيء ويفهم في كل شيء.

بعد مظاهرات غازي بارك ضد أردوغان في 2013، بدأ مسار جديد من تعزيز السلطة في يد الحاكم لإدراكه أن منحى التحسن الاقتصادي آخذ في التراجع، وأن قاعدة مؤيديه من متديني الأرياف البسطاء قد يمنحوا الحزب الحاكم أصواتا لكنهم لا يمثلون أي قوة حقيقية في بيروقراطية الدولة.

وهكذا، ضاقت دائرة أردوغان ولم يعد يثق بأحد سوى أهله وعشيرته فزاد نفوذهم أكثر. ولأن ابنته الصغرى، سمية، التي عينها مستشارة له من قبل فأثار الأمر تندرا في الساحة السياسية التركية، لن تدخل البرلمان أو الحكومة، فكان الصهر موضع الاختيار.

ولا ننسى أن ذلك تزامن أيضا مع حملة على فساد أهل أردوغان وعشيرته (اعتبرها حربا من "الدولة العميقة" عليه) طالت شظاياها ولديه أحمد وبلال. وما زال ابنه متورطا مع مصرفي تركي في قضية في نيويورك تتعلق بالمليارات الإيرانية في عمليات التفاف على العقوبات.

يحدثك كثير من الأتراك عن بيرات ألبيرق، الذي يرأس مجلس إدارة مجموعة اقتصادي يدير جناح للنشر والإعلام فيها أخاه الأكبر سرحات المسؤول عن شبكة من ناشطي مواقع التواصل مهمتهم الترويج لأردوغان واستهداف معارضيه، فلا تجد أحدا يرى ميزة في بيرات سوى أنه صهر الرئيس (العريس) وأن طموحه يتجاوز جهله بكثير.

مع دخوله البرلمان نائبا عن حزب أردوعان العدالة والتنمية عين وزيرا للطاقة، لكنه عينه كانت على إدارة الاقتصاد كله حتى ضم له حماه وزارتي المالية والخزانة في وزارة واحدة وعينه فيها في 2018.

ومنذ ذلك الحين فقدت الليرة التركية نصف قيمتها تقريبا، ونفدت احتياطيات البنك المركزي الذي ضخ أكثر من 140 مليار دولار لدعم العملة، وفرت رؤوس الأموال خارج تركيا وأصبحت الشركات تعاني تحت وطأة ديونها بالدولار وفقد الأتراك في الأعمال الصغيرة والمتوسطة وظائفهم.

لكن أردوغان لم يطلب من صهره الاستقالة بسبب تلك الكوارث المالية والاقتصادية، فقد حدثت كلها تحت عينه ويمكن لزوج ابنته أن يحاجج بأنه فقط كان "ينفذ تعليماته"، إنما هي الانتهازية الإخوانية التقليدية التي ينطبق عليها المثل الشعبي الشائع: "إذا جاءه الطوفان وضع ابنه تحت قدميه".

والواضح أن الطوفان القادم على تركيا بسبب سياسات أردوغان لن يكفي أن يضع الرئيس كل أهله وعشيرته تحت قدميه ليطفو رأسه فوق الماء ويتنفس.

وقد لا ينتظر الوضع حتى انتخابات عام 2023 ليتم اختبار مدى استمرار التأييد الريفي لحزب أردوغان، فمع تبعات أزمة وباء كورونا التي يضاعف من تأثيرها في تركيا مغامرات أردوغان الخارجية يمكن أن يضرب الطوفان أركان حكمه في أي لحظة. ولم يعد من بين أهله وعشيرته من يمكنه أن يستخدمه "منصة" يطفو فوقها بعد.

لم يقتنع كثير من الأتراك بأن إقالة بيرات ألبيرق (العريس) خطوة تصحيحية من جانب أردوغان، تشبه ما وصفه هو بالعبارة الشهيرة للخميني عند قبوله وقف إطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية: تجرع المر. وقصد أردوغان بتجرع المر هو القبول بوصفات الاقتصاديين المحترفين لمحاولة وقف التدهور، فلربما فات الأوان بالفعل لإمكانية عكس منحى التدهور الاقتصادي.

إنما السقوط الحقيقي سيأتي من من عنجهية أردوغان، وكل أهله وعشيرته، الذين لا يدركون أنهم السبب فيما وصلت إليه الأمور، لذا، تجد بعض أنصار بيرات ألبيرق يتحدثون عن إمكانية عودته للحكومة، بل إن بعضهم لا يستبعد حتى الآن خلافته لحماه رجب الذي لم يعد ممكنا أن ينقل السطة لأي من ولديه أو ابنته الصغرى.

لا مبالغة في الامر، فهذا ما يدور فعلا في إطار حكم العائلة والأهل والعشيرة، ويتناقله الأتراك بمرارة.