خيم صمت مفاجئ على أفراد أسرة كردية دعاني أحد أبنائها للإفطار معهم في أربيل، شعرت بحرج أمام هذا الصمت فيما انشغل الكل بالأكل، فقررت كسر اللحظة الرتيبة بسؤال رب العائلة عن تأثير الحرارة المفرطة على صومه.

رد أحد الأبناء علي بأنني طرقت العنوان الخطأ، فالوالد لا يصوم، بينما الأم لم تلتحق بنا إلا بعد تأديتها صلاة المغرب.

كان ذلك السؤال مقدمة لرفع الكلفة والخوض في أمور السياسة، انتهى بي إلى سؤاله عن صواب فكرة الانفصال عن العراق.

عدل "مام كاكل" جلسته وقال وهو يفتش بصعوبة في قاموسه العربي عن الكلمات اللائقة: "أنا لا أرى أي مانع في البقاء ضمن العراق. إن الذين حركوا ورقة الاستقلال هم الذين خافوا من ضياع مصالحهم بعدما أصر نوري المالكي على محاسبة حكومة الإقليم على عائدات مبيعات كردستان من النفط خارج إشراف الحكومة الفدرالية".

ولا يخفى على المهتمين بالشأن العراقي أن حكومة أربيل تصدر كميات من النفط مباشرة عبر تركيا. وتقول حكومة بغداد إنها لا تعرف حجم مداخيل تلك الشحنات، ولا تعرف أوجه صرفها.

في السوق الشعبي القريب من قلعة أربيل الأثرية يتجمع الآلاف من سكان المدينة عصر كل يوم لشراء ما يحتاجونه من لوازم الإفطار، أو لقضاء تلك الساعات التي تمر ببطء وتحت حرارة لا تقل عن 42 درجة تحت الظل.

وسط الجموع سألت "سكاي نيوز عربية" أحد الشبان الأكراد عن رأيه في الانفصال، فما كان منه إلا أن رد بحماس: "أعتقد أن لدينا كل المكونات اللازمة لقيام دولة كردية مستقلة. هذا الأمر كان من المفروض أن يحدث منذ زمن بعيد، إذ لا فائدة من أن نكون ضمن إطار العراق".

هذا الموقف يرى "مام كاكل" أنه متسرع بعض الشيء. فهو يقول إن سكان الإقليم يشتركون مع بقية العراقيين في الحضارات التي تعاقبت على بلاد الرافدين، ويضيف أنه إن كان العراق مفككا على أسس طائفية وقومية في الوقت الحالي، فإن الزمن كفيل بإفراز نخبة سياسية من مختلف المكونات، تكون قادرة على وضع أسس دولة مدنية "يكون معيار معاملة المواطن فيها هو القانون وليس الدين أو المذي أو القومية".

ربما يرجع تكوين هذه النظرة لدى العم كاكل إلى عاملي السن والتجربة، فقد سبق أن حُكِم عليه مرتين في عهد الرئيس الراحل صدام حسين بالإعدام وبالمؤبد، بتهمة الانتماء لتنظيم كردي مناوئ لحزب البعث.

لكن مقابل ذلك يرى آسو كريم، وهو نائب سابق في برلمان إقليم كردستان، أن البحث عن صيغة جديدة للحكم في كردستان أمر مشروع. ويقول إنه "من حق شعب كردستان ومؤسساته الدستورية البحث عن آلية للرجوع إلى الشعب لكي يقرر مصيره بنفسه ".

تقرير المصير يظل حلما يخامر فئات عريضة من الأكراد منذ عقود عدة، لكن من يوصفون بالحمائم من السياسيين الكرد، يرون أن الاستقلال ينبغي أن يمضي في سياق توافق إقليمي شامل.

رامان مجيد، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني من أنصار هذا الطرح، ويقول إن "المائة سنة الأخيرة أثبتت أن مشاكل المنطقة برمتها ستستمر ما لم نجد حلا للقضية الكردية، ونحن نأمل أن نسلك طريق الحل بالتوافق مع دول المنطقة ومع الدولة العراقية".

ولكن في ظل اللجوء إلى خيار العنف والتعنت الذي طبع السلوك السياسي عموما في المنطقة، يبدو أن "التوافق" لم يترسخ كخيار جدي لدى الفاعلين السياسيين والعسكريين في العراق، وفي ما بعد حدود العراق.