ساعات قليلة بُعيْد حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ظهر رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على شاشات التلفزيون، معلنا أن بلاده تقف "جنبا إلى جنب" مع الولايات المتحدة ضد تلك الهجمات.

كانت تلك أول مرة يشاهد فيها الملايين من البريطانيين وجه  بلير يزيح ابتسامة رافقته لعدة سنوات، ليعوضها بشحوب ووجوم سيستمران معه إلى يومنا هذا.

ومضت أسابيع قليلة فإذا بنا نسمع ونشاهد الفصول الأولى من استراتيجية نفذها بلير والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، إنها استراتيجية "الحرب على الإرهاب"، ومقولة: "من ليس معنا فهو مع الإرهاب!".

في تلك الأثناء كان زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ورجاله وحلفاؤهم يتحركون بحرية في أفغانستان، وبعض مناطق وزيرستان الباكستانية الجبلية.

ثم انطلقت الحرب، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى أُخرِجت حركة طالبان من مقرها في قندهار ومن كابل ومن كل التجمعات السكنية الكبرى بأفغانستان.

بعدها بدأت عملية ملاحقة عناصر القاعدة، الذين لجأت غالبيتهم إلى جبال "تورا بورا"، التي دكتها طائرات البي-52 دكا مستخدمة قنابل ذات قدرة تفجيرية مهولة، ومن أبرزها (ديزي كاتر) التي تسحب الأنفاس من الصدور من على مسافات بعيدة.

لم تعد "إمارة طالبان" موجودة على الأرض كقوة منظمة، ولم تعد أفغانستان "أرض الرباط والجهاد" كما كان يصفها بن لادن. حدث هذا في أواخر عام 2001.

لنعد إلى الحاضر، ففي واشنطن التقى رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون بالرئيس الأميركي باراك أوباما يوم 16 يناير الجاري.

وجاء لقاء الرجلين متزامنا مع إقامة الفرنسيين حفلا لدفن ستيفان شاربونيي الملقب بـ"شارب"، رئيس تحرير أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة، فشاربونيي  قتل ضمن 12 شخصا في الهجوم الذي استهدف مقر الأسبوعية في باريس.

وخلال لقاء أوباما بكاميرون في واشنطن، أعلن المسؤولان عن خطة للحرب على "الغلو في التأويل المسموم" للإسلام.

لم يقولا هذه المرة "إن من ليس معنا فهو مع الإرهاب"، كما فعل بوش وحليفه بلير، لكنهما يريدانها حربا لا هوادة فيها، ميدانها "العالم الرقمي الافتراضي"، إضافة لمواصلة الحرب التقليدية على معاقل القاعدة ومن انشقوا عنها.

لقد تغيرت أمور كثيرة منذ هجمات نيويورك وواشنطن قبل زهاء 4 أعوام، لكن الحرب التي أعلنها بوش الابن لم تضع أوزارها بعد.

فبينما كانت القاعدة ومُضيِّفتها طالبان، تعملان في رقعة جغرافية معزولة عن العالم الخارجي إلى حد بعيد، هاهم أتباع التنظيم الدولي، أو القريبون من فكره وتوجهاته، يسيطرون على حوالي ثلثي سوريا، ومساحات شاسعة من العراق، ومناطق أكبر منها في الصحراء الكبرى والساحل، وليبيا، بل هاهم يضربون مجددا في قلب باريس، وفي بلجيكا، ويهددون بتكرار عملياتهم متى أتيح لهم ذلك.

لقد كان معظم "الجهاديين" الحاليين، مجرد أطفال حينما ارتطمت الطائرة الأولى ببرج التجارة العالمي الشمالي في واشنطن، ويبدو أن استراتيجية بوش وبلير لم تأخذهم بعين الاعتبار مع مرور الزمن.

وها نحن نعود إلى ما يشبه نقطة الانطلاق: فقد قال ديفيد كاميرون إن استراتيجيته الجديدة تقوم على التصدي "للمتشددين" في مناطق النزاع من جهة، و"على مكافحة الإرهاب الموجود بين ظهرانينا".

وفي المحصلة، يبدو أن حرب جورج وبوش وحليفه الأوثق فشلتا إلى الآن في تحقيق الكثير من أهدافها المعلنة، والسؤال المؤرِّق للمراقبين الآن: هل فعلا سينجح أوباما وكاميرون في اسراتيجيتهما الجديدة، إن كانت في الأصل تتوفر فيها مواصفات الاستراتيجية .

المؤكد هو أن موجة العداء للمسلمين في أوروبا والغرب عموما، ماضية نحو ارتفاع غير مسبوق، وأن أعداد من يرون الغرب "كافرا" ومعتديا تزدادا ارتفاعا، خاصة بالموازاة مع الهجمات الإعلامية التي تستهدف الدين الإسلامي ورموزه المقدسة.

لإذن معركة "كسب العقول والقلوب" تحتاج من كل الأطراف إلى زمن أطول، ولكن خطوة الألف ميل ينبغي لها أن تبدأ من الآن، وينبغي أن تبدأ بتنظيف شامل للحضارتين الغربية والإسلامية من الكثير من المواقف الجاهزة المجحفة، والرواسب التاريخية التحقيرية المغلوطة.