قبل أيام، أدى رئيس وأعضاء مجلس الرئاسة اليمني الثمانية اليمين الدستوري إيذاناً ببدء المجلس تولي مهامه الرئاسية بعد تحويل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي صلاحياته له مؤخراً.

رغم تعمد عضو المجلسعيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، عدم الالتزام بالنص الحرفي للقسم بخصوص اليمن الموحد والجمهوري في إشارة ضمنية لرغبات الانفصال الجنوبية مستقبلاً، كان الحدث مهماً، سياسياً ورمزياً، ويؤشر تقدماً حقيقياً على طريق حل أزمة اليمن وإنهاء حربه الأهلية المستعرة منذ نحو ثمانية أعوام. كانت تأدية القسم في عدن، العاصمة المؤقتة في الجنوب، أمام غالبية الأعضاء الأحياء من آخر برلمان يمني منتخب في ٢٠٠٣، بحضور ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية تأكيداً لشرعية دستورية يمنية ولدعم محلي وإقليمي ودولي للمجلس الجديد في تأدية مهامه الصعبة.

كان انتقال السلطة من الرئيس السابق هادي، إلى المجلس الرئاسي النتيجة الأهم لمؤتمر الرياض نهاية الشهر الماضي. على مدى سنوات، لم يستطع هادي أن يوفر القيادة الملهمة والقوية لليمن، إذ ظل الرجل متردداً وفشل في توحيد مؤسسات الشرعية اليمنية التي تفتت بين قوى سياسية وقبلية متناحرة أحياناً ومتحالفة أحياناً أخرى. بقي رئيساً في منفى اختياري مريح وترك الخصوم والحلفاء المتبدّلين يتقاسمون المتبقي من الدولة في ظل نزاعها مع الحوثيين الذين أظهروا قدرة أفضل على إدارة تحالفاتهم الكثيرة مع أطراف مختلفة.

تضمنت بعض الأوامر الأخيرة التي أصدرها الرجل عند تنازله عن السلطة ونقل صلاحياته إلى المجلس الرئاسي إشارات إيجابية نحو الحوثيين أهمها إعفاء خصمهم الأشد، اللواء علي الأحمر، الذي شن الحملات العسكرية الحكومية ضدهم، من منصبه كنائب رئيس الجمهورية.

الأهم بخصوص المجلس الرئاسي الذي يتزعمه مستشار عبد ربه ووزير الداخلية الأسبق، رشاد العليمي، الرجل الجنوبي الذي يتمتع بمقبولية عامة هي أنه يتألف من مسؤولين سابقين وقادة عسكريين يمثلون تقريباً كل القوى الفاعلة على الأرض ولديها قوات مسلحة مثل طارق عبد الله صالح ابن شقيق الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح الذي يقود خليطا من قوات سابقة من الحرس الجمهوري والحرس الخاص ضمن ما يطلق عليه الآن، بعد فض تحالفه مع الحوثيين، "المجلس السياسي لقوات المقاومة الوطنية" وعبد الرحمن صالح اليافعي قائد قوات العمالقة، وكانت سابقاً جزءاً من قوات النخبة في الجيش اليمني وفرج البحسني، قائد المنطقة العسكرية الثانية (اليمن مقسم رسمياً إلى سبعة مناطق عسكرية) ومحافظ حضرموت، المحافظة الضخمة الشرقية التي تبلغ مساحتها أكثر من ثلث مساحة اليمن.

تكمن الميزة الأبرز لخليط الزعماء هذا الموزع سياسياً وجغرافياً (٤ شماليين وأربعة جنوبيين) وتحديه الأكبر في الوقت نفسه، في اختلافه وتنوعه، خصوصاً في ظل التاريخ السابق لهم من الخصومات والتحالفات مع بعضهم الآخر ومع الحوثيين. اختبارهم الصعب سيكون في قدرتهم على العمل سويةً لقيادة البلد عبر المرحلة الانتقالية التي تتطلب، قبل استئنافها، إنهاء الحرب الأهلية عبر التفاوض مع الحوثيين، للعودة إلى استكمال الخطوات الأخرى التي اتفق عليها الجميع، بضمنهم الحوثيون، ونصت عليها المبادرة الخليجية في ٢٠١١ المدعومة من الأمم المتحدة. رتبت هذه المبادرة خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السلطة وقادت إلى الحوار الوطني اليمني ٢٠١٣-٢٠١٤ ومخرجاته التي نصت على خطوات كثيرة لتطبيع الأوضاع في اليمن بينها إعادة هيكلة الجيش اليمني وإصلاحات انتخابية وإجراءات عدالة انتقالية وكتابة دستور جديد وتنظيم استفتاء شعبي عليه. هذه كانت العملية السياسية المتفق عليها يمنياً قبل أن توقفها إطاحة الحوثيين بالحكومة والبرلمان في خريف ٢٠١٤.

سيظهر برهانُ النجاح في قدرتهم على العمل سويةً في بضع ملفات. الأول، وربما الأهم، هو توحيدهم القوات المسلحة المختلفة، وبضمنها التي يقودونها، تحت سيطرة وزارتي الدفاع والداخلية. الثاني، والمرتبط بالأول، هو إشعار اليمنيين أن هناك حكومة فاعلة وحقيقية تستطيع فرض إرادتها على الأرض وتتعاطى مع التحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة. بعض العلامات الأولية المشجعة بهذا الصدد هي تقديم المجلس الرئاسي ميزانية عامة لمجلس النواب لأول مرة منذ سبعة أعوام. ثم على المجلس الرئاسي أن يشرف على إنفاق المساعدة المقدمة مؤخراً من الإمارات والسعودية والبالغة نحو ثلاثة مليارات دولار على نحو شفاف خال من الفساد الذي فشلت حكومة هادي في ضبطه. لكن سيكون الملف الأشد تحدياً هو إنهاء الحرب الأهلية عبر إقناع الحوثيين بالتفاوض والتوصل إلى سلام حقيقي. رغم رفض الحوثيين لتشكيل المجلس الرئاسي ومهاجمتهم اياه بقسوة، فإنهم يدركون أنه، بخلاف حكومة هادي، يمثل قوة كبيرة لا يمكنهم تجاهلها، ليس فقط بسبب الدعم الدولي والاقليمي له كممثل للشرعية اليمنية، بل أيضاً بسبب قدرة أعضائه، إذا تعاونوا، على الوقوف عسكرياً بوجه الحوثيين واستعادة المناطق التي سيطروا عليها، وبضمنها العاصمة صنعاء إذا رفضوا الجلوس على طاولة الحوار.

إحدى أهم النقاط التي يستغلها الحوثيون هي تفرق خصومهم وعجزهم عن العمل سوية. بإمكان المجلس الرئاسي، بآليته الواضحة لحسم الخلافات عبر التصويت بالأغلبية البسيطة في اتخاذ القرارات، أن يتجاوز الانقسام المعتاد بين قوى الشرعية وحلفائها من خلال احترام نتائج هذه الآلية وتطبيقها على الأرض. في الحقيقة، تكمن مصلحتهم في هذا، لأنهم جميعاً يصبحون في موقع قوة كحاكمين رسميين وفعليين للبلد إذا حولوا تجربة هذا المجلس إلى واقع يحترمه اليمنيون التواقون لدولة فاعلة ورصينة يحسون بوجودها في حياتهم اليومية وليس إلى الاقطاعيات العسكرية والسياسية الحالية المتنازعة التي تتقاسم بلدهم اليوم وسط تبرم شعبي كبير.

قد تساهم وقائع أخرى متزامنة في تمهيد السبيل نحو تفاوض يقود إلى السلام. تلخصت هذه الوقائع بإعلان المبعوث الأممي لليمن، هانز غروندبرغ، التوصل إلى هدنة لمدة شهرين قابلة للتجديد بين الأطراف المتحاربة في اليمن، رحبت بها إيران والسعودية، ليتبعها إعلان التحالف العربي وقف عملياته العسكرية في خلال شهر رمضان. بموجب هذه الهدنة السابقة لإعلان تشكيل المجلس الرئاسي بأيام، توقف القتال لفسح المجال للقيام بإجراءات إنسانية متبادلة، بينها تبادل أسرى والسماح باستخدام ميناء الحُديدة ومطار صنعاء الواقعين تحت السيطرة الحوثية مقابل فتح ممرات آمنة نحو مناطق يحاصرها الحوثيون كما في محافظة مأرب الاستراتيجية شرق البلاد حيث المنشآت النفطية الهامة. رغم بعض الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والحوثيين بخرق الهدنة، وحصول بعض الخروقات فعلاً، يبدو أن الهدنة ستصمد. يمكن لها أيضاً أن تتمدد وقد تتحول الى وقف مفتوح لإطلاق النار إذا أحسنَ المجلسُ الرئاسي إدارة أوراقه واستفاد من الزخم المحلي والإقليمي والدولي الحالي الداعم له عبر التصرف كحكومة جادة ومتماسكة تُشعر الحوثيين أنهم بإزاء ند قوي ومسؤول لن يستطيعوا هزيمته وبالتالي إقناعهم أن التفاوض، وليس السلاح، هو السبيل الأفضل لهم.

ما يمكن أن يساهم في دفع الحوثيين أكثر نحو خيار التفاوض هو الضغط المتأتي من إعلان أميركا مؤخراً تشكيلها قوةً بحرية مدعومة جوياً لتمشيط مياه خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر لمنع عمليات تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر. الهدف الأهم من تشكيل هذه القوة، الذي يبدو جاء بالتنسيق مع دول عربية وخليجية كمصر والإمارات والسعودية والبحرين، هو منع تهريب السلاح والعتاد القادمين من إيران إلى الحوثيين. سيقلل تراجع الدعم العسكري الإيراني بسبب تشكيل هذه القوة إغراءَ المضي في درب الحرب الذي ما يزال الحوثيون مصرين عليه لحد الآن بسبب إحساسهم أنهم الطرف الأقوى عسكرياً.

سيكون على المجلس الرئاسي الجديد أن يقنع الحوثيين بالأفعال والأقوال أن الأمر ليس هكذا وأن خيار الحرب سيكلفهم أكثر بكثير من خيار السلام وعودتهم إلى العملية السياسية الانتقالية التي أوقفوها بقوة السلاح قبل سنوات.