في شرم الشيخ عقدت قمة مصرية إماراتية إسرائيلية عنوانها العريض "اليوم التالي للاتفاق النووي الإيراني"، الواقعية السياسية وحدها حددت منذ وقت مبكر استشراف أن الاحتمال الأسوأ تقديراً للشرق الأوسط سيأتي مع ما يمكن أن ينتهي إليه ذلك السباق المحتدم في الانتخابات الأميركية الأخيرة بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن.

 الاستشراف الواقعي كشف عن أن عودة الحزب الديمقراطي يعني أحياء للاتفاق النووي مع إيران الذي كان لإدارة ترامب رأي رافض له جملةً وتفصيلا، غير أن الانسحاب منه لم يكن نهايته برغم كافة العقوبات والضغوطات.

الإماراتيون نظروا إلى المسألة بواقعية فقرروا عقد اتفاق سلام مع إسرائيل ضمن جملة من النتائج التي يمكن تحقيقها سياسياً في صراع الشرق الأوسط وما يمكن أن يوظف لمصلحة القضية الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى ما يمكن أن يعمل على التوازنات في شرق أوسط قررت فيه الولايات المتحدة انسحابها منه في سياق توجهات أميركية لم تعد ترى في هذه المنطقة أهمية كما كانت بذات القدر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ما استشرفته الإمارات كان صحيحاً تماماً فالعودة للاتفاق النووي الإيراني باتت تنتظر حفلة صاخبة للإعلان عنها بعد جولات معلنة وليست سرية كما حدث مع تلك الأولى التي كانت تدار في العاصمة العمانية مسقط في العام 2015، وفيما تشهد العاصمة النمساوية جولات التفاوض كانت طهران تختبر دول المنطقة من خلال أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وعلى رغم كل الهجمات إلا أن إدارة البيت الأبيض واصلت التفاوض حتى أنها كشفت عن نيتها رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، تلبية لطلب طهران لإتمام صفقة العودة للاتفاق النووي.

حقيقة أن تكون إيران دولة نووية باتت مسألة وقت قصير ولم تعد تحتمل التخمين لذلك على دول المنطقة الانتقال للتعامل مع اليوم التالي لما بعد الاتفاق الذي مازالت الإدارة الأميركية تصر عبر تصريحاتها المعلنة أنها ملتزمة بعدم امتلاك إيران للسلاح النووي، المنطقة الرمادية التي تبدو فيها هذه الإدارة الأميركية لا يجب النظر إليها بحسن النوايا فلا مكان للعواطف في واقعية السياسة خاصة مع النظام الإيراني الذي أعلن منذ نشأته في 1979على يد مؤسسه الخميني رغبته بتصدير ثورته وتوسيع نفوذه وهو ما حدث في العقود التي تلت ذلك التاريخ.

مصر والإمارات وإسرائيل في قمة شرم الشيخ اجتمعوا ليتعاملوا مع الحقيقة وليس مع التصريحات العاطفية، فهناك عملية لتشكيل جبهة سياسية متماسكة تتعامل مع واقع الشرق الأوسط الذي تدخل فيه إيران للنادي النووي دون أن تتخلى عن أذرعها ونشاطاتها في العواصم العربية، وهذه هي المهمة الصعبة في التعامل مع إيران وطموحاتها وما فرضته سياساتها ما قبل العودة للاتفاق النووي.

في الشرق الأوسط أزمة جوهرية تمثلها النزعة الإيرانية التوسعية، وعليه فإن كل ما تطرحه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول إمكانية تغيير السلوك الإيراني يصطدم بأفعال النظام في طهران وإلا كيف يمكن تفسير العمليات التي طالت أربيل والمدن السعودية مع حديث وشيك عن إعادة الاتفاق النووي، ما تشكله أذرع النظام الإيراني في دول المنطقة العربية يشكل تهديدات أمنية مستدامة تسقط الذرائع والمسوغات عن نجاعة سياسة الاحتواء.

توزان الردع سيكون عنواناً لسباق تسلح نووي سيعرفه الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين وبدون أن تتخلى طهران عن أيدولوجيتها العقائدية ستظل الاحتمالات السيئة دائماً هي القائمة فالتعايش لسنوات قادمة مع فرضيات الحرب ستعطل التنمية الاقتصادية بما سيعني تفاقم الأزمات لتعثر مشاريع الاصلاحات الواعدة لبعض دول المنطقة، سباق التسلح النووي في منطقة تماس مستمرة ليس في مصلحة العالم الذي أيضاً سيبقى مشدوداً على مصالحه خشية الإضرار بها.

اليوم التالي للاتفاق النووي سيكون السيناريو الأثقل على المنطقة من الغزو الأميركي للعراق، ولذلك فإن مصالح شعوب الشرق الأوسط تقتضي تشكيلاً سياسياً ضاغطاً على الإدارة الأميركية لاستيعاب المخاطر وإن كان هذا الحراك السياسي يبدو وكأنه في الربع ساعة الأخيرة من توقيع مرتقب لاتفاق تتخبط فيه التصريحات الأميركية التي تؤكد فقط أن الأميركيين لا يمتلكون رؤية واضحة غير العودة للاتفاق لمناكفة الرئيس السابق دونالد ترامب فقط.

هل تنجح جبهة الضغط التي تشكلت في شرم الشيخ والنقب من التأثير في التفكير الأميركي وتستطيع تغيير التقدير الأميركي للموقف السياسي من اتفاق نووي مع نظام يرفض تقديم نوايا ايجابية للمنطقة ويصر على تصدير ثورته الدينية ولا يخفي مطامعه التوسعية؟، السؤال مفتوح وسيبقى مفتوحاً حتى وأن أعيد الاتفاق فالعلاقات المعقدة بين واشنطن وعواصم الشرق الأوسط ستبقى سمة لعقود مقبلة ستتحول فيها اللغة على المصالح الذاتية وما يمكن أن يؤثر على سخونتها وبرودتها من الظروف.