بهذه الجملة المباشرة علق الدكتور أنور قرقاش، المستشار السياسي لرئيس دولة الإمارات، على بيان وزارة الخارجية الذي فنّد مزاعم قدمتها وسائل إعلامية حول تزويد الأطراف المتحاربة في السودان.

الوضوح في الموقف السياسي جاء من بداية الاشتباك العسكري، فلقد كان المسار السوداني عسيراً وقابلاً لتفجره وهذه تبعات سنوات فوضوية طويلة غرقت فيها البلاد على يد جماعة الإخوان وورطتها في أزمات معقدة داخلية وخارجية وما هذه الحرب غير نتيجة لمخلفات تلك الحقبة.

السودانيون بحاجة إلى الدواء والغذاء وهو ما قامت به الإمارات ومازالت تقوم به برغم الظروف، حتى وإن هي لم تعلن عن تفاصيل جهودها الإنسانية والإغاثية لمساعدة مئات الآلاف من المهجرين والمشردين، الجسر البحري والجوي الذي نقلت به الإمارات العالقين ومنحتهم الأمان في الإمارات على غرار كافة الشعوب المنكوبة من قبل في أفغانستان وسوريا فهذه مسألة تعالجها الإمارات إنسانياً دون اعتبارات سياسية.

الإماراتيون لاعبون سياسيون مهمون في المنطقة العربية والشرق أوسطية والعالم فهذه واحدة من حقائق السياسة، الأدوار السياسية التي انتهجتها الإمارات في ملفات معقدة خلال العقد الأخير وضعتها كمحرك بارز له اعتباراته المحسوبة له ضمن سياسات معلنة، خفض التوترات ومدّ الجسور هي منهجية تقودها الدبلوماسية حققت سلاماً تاريخياً في 2018 بين أثيوبيا وأرتيريا بعد عقود طويلة من الحروب، كما أن إعادة سوريا للجامعة العربية كان ملفا صعبا ومع ذلك انتهى بأن أثمرت نجاحاً مهماً، كما أن سياسات احتواء القوى الإقليمية التركية والإيرانية والإسرائيلية عمل على خفض التصعيد في الشرق الأوسط وإطلاق مرحلة سياسية من التفاهمات على قاعدة المصالح المشتركة في الأمن والاقتصاد، هذه لم تكن مجرد صفقات سياسية عابرة بمقدار ما كانت نهجاً برؤية اعتمدت على مرتكزات تغليب الموضوعية السياسية لضمان الاستقرار.

العالم العربي لا يحتمل حرباً بعد أن مرت عليه سنوات ما يسمى بالربيع العربي وما حملته من عواصف إسلاموية حطمت البنى ما يزيد على ثلثي البنى التحتية العربية التي بنتها عبر عقود، حرب السودان وهي ارتداد من ارتدادات فوضى الإسلام السياسي تتطلب معالجة موضوعية للتقريب من أطراف النزاع والعودة إلى مسار العملية الانتقالية وهذا ما ذهبت إليه جهود الإمارات تعزيزاً لجهد المنظومة الدولية، ومع عدم الاستجابة السودانية اتخذت الإمارات خطوات ملموسة في إنشاء مراكز الإيواء والمستشفيات في تشاد عبر أذرعها الإغاثية والإنسانية وهو ما أعلنته رسمياً.

الاستماع من الإمارات عن حقائق المواقف أجدى من الاستماع عنها من أطراف خسرت في رهاناتها على الخطوات السياسية الإماراتية في الملفات المأزومة والتي حولتها الدبلوماسية الراشدة إلى ملفات ناجحة، هذا وقت ملائم لتغيير نمطية التفكير فيما يمكن أن تضخه وسائل الإعلام حول العالم، المتغيرات الدولية تفرض هذا المنطق في أن الاستماع من الإمارات عن مواقفها وخطواتها أجدى من الانجرار وراء الإشاعات التي تستهدف تعميق الهوة بين الحقيقة والأكاذيب، الضخ الإعلامي المسموم لن يستطيع تغيير الحقائق كما لا يمكنه وقف العمل السياسي الصحيح، الإمارات دولة واقعية تعرف أن الموضوعية تفرض قوتها فهذا المنطق الذي تغلب دائماً في كل المراحل السابقة وهو الذي سيتغلب في المراحل المقبلة فلذلك سيظل الشيء الوحيد هو أن تبقى مستمعاً إلى الإمارات ومشاهداً لها ولما تحققه سياسياً واقتصادياً وإنسانياً.