الدخان الأسود الذي يغطي العاصمة السودانية الخرطوم لم يأت من فراغ ولم يجيء من العدم بل جاء من حقائق السياسة وتراكمات التاريخ فلا شيء يحدث بالصدفة كما لا شيء يحصل للعنة مصاب بها الشرق الأوسط كما يراد لهذه النمطية من التفكير أن تساق في عقل المواطن العربي الذي أصيب عقله بالتنكس بعد أن سيطر عليه ما لا يراد تطهيره من كتب التراث العربي والإسلامي.

الهروب من الواقع بنسج أغطية من المبررات سلوك عربي معتاد منذ قرن مضى سيطر فيه الإيديولوجية المذهبية والطائفية على العقل العربي.

ثمة ما لا يراد له أن يقال حتى والنيران تحرق البلاد العربية طولاً وعرضاً فهذه البلاد أصيبت بمعضلة أسهمت فيها قوى تتكئ على تراث بال مهترئ حتى وأن تظاهرت أنها غيرت من جلدها وتحولت إلى قوى تقدمية منفتحة على الثقافات فيما ترسمه من نمطيات تساق سوقاً للعالم بينما هي تحتفظ في داخلها بعقيدتها الإيديولوجية وعليه سيطرت على كل ما يمكن من وسائل الإعلام والاتصال وأخضعته بسلطة المال لنفوذها ووظفته للاستهلاك في زيادة تكلس العقل العربي الذي عليه أن يتقبل بأن ما يحصل كان سكون في اليمن وسوريا وليبيا ثم أمر دبر بليل افتعلته أيادي سحرة ليشتعل السودان ثم يأتي المبرر المعتاد بأن هناك مؤامرة كونية تصاغ على العرب.

حتى وأن كنا نعايش الذكاء الاصطناعي فمازالت معركتنا الوجودية مع الأفكار الرجعية التي ترفض القبول بالتقدمية بكافة أشكالها سواء الاشتراكية أو الليبرالية، بهذا التوصيف يمكننا فقط النظر إلى التاريخ السياسي العربي بتجرد فالطبيعة تقود إلى التطور بما يعني التغيير وهو ما ترفضه شكلاً ومضموناً الرجعية التي تعود دائماً إلى جذورها فتتعصب لأفكارها حتى تذهب لمواجهة الآخر ولو حتى بالقتل والتصفية الجسدية، لطالما وجد الرجعيون في مغارتهم وكهوفهم من يصدر لهم فتاوى التكفير وصكوك الإيمان والكفر وهي ذاتها التي مازالت موجودة حتى وأن تم تغطيتها بالحفلات الموسيقية وغيرها من ما يراد له تغطية حقائق الأشياء.

الشرق الأوسط ليس مصاباً بلعنة شيطانية بل هو مصاب بلوثة في عقلية الاستفراد بالرأي والبحث عن زعامة تفرض على الدول والشعوب رؤيتها، لم تكن نكسة 1967 كافية وهي التي أطبقت بعدها القوى الإسلاموية على المنطقة بل استمرت وها هي تتواصل بدون اكتراث لتبعات النتائج المتكررة التي أصابت المنطقة بالحروب والصراعات، تكبدت المنطقة العربية خسائر اقتصادية مهولة نتيجة الاستقواء بالسياسات العقيمة التي لا تنتج تقدماً حضارياً فكل ما قدمته كان توزيع الإرهاب والتخويف لكل فكرة مضادة لها.

الرجعية هي الجمود بطبيعتها فلن تقدم ناتجاً للأمم غير تقديمها للأزمات بل والإجادة في صناعتها بالمفخخات والأحزمة الناسفة، الانتقال للتنافس مفهوم قد يكون صعباً على أصحاب الفكر المتصلب استيعابه فالدول تتنافس في معايير الاقتصاد والرفاهية، فلا يمكن تكرار تجارب لبنان بعد اتفاق الطائف الذي أسس لمحاصصة قتلت الديمقراطية وانتجت دولة الفساد والطائفية، تلك حالة تكررت في العراق وسوريا ليبيا واليمن وحتى السودان، التدخل الخارجي بالعقلية الرجعية لن ينتج غير الفشل فهذه حقيقة التجارب السياسية التي ذاقتها شعوب العرب.