هذا ليس مجرد تساؤل لحظيّ يتماشى مع الصفقة السياسية الكبيرة التي توصلت إليها الأطراف الدولية لإنهاء جولة الصراع الدموي الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة رداً على هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023.

فالعراقي واللبناني والسوري واليمني كمن أسقطوا سهواً أو عمداً من هذه الصفقة والتي أفرجت فيها إيران وليس حماس عن مجموعة من الرهائن النساء والأطفال الإسرائيليين مقابل عدد يسير من النسوة والأطفال الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، صفقة منقوصة غاب عنها الواقعية السياسية في شرق أوسط مصاب بسياسات إيرانية موغلة في القسوة على شعوب المنطقة.

في العام 2014 تحدث مسؤول إيراني أن بلاده باتت تحكم قبضتها على أربع عواصم عربية في إشارة إلى بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، هذه الإشارة لم تأتي من فراغ بل من حقيقة أن إيران بالفعل تتحكم عبر أذرعها بسياسات الدول العربية، الحالة لا يمكن فصلها عن قضية الرهائن سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين فهذه شعوب أيضاً كان يفترض بأن تشملها صفقة الرهائن، القضية تبدو أخلاقية وسياسية عميقة لا يمكن فصلها عن مفاوضات في مضمونها لم تأتي طارئةً وإنما هي ممتدة عبر مفاوضات الولايات المتحدة مع الإيرانيين حول الاتفاق النووي. 

لطالما تحدث الأمريكيون عن ضرورة أن تشمل الصفقة النووية الإيرانية التي أبرمتها إدارة الرئيس باراك أوباما في 2015 وانسحب منها الرئيس دونالد ترامب ثم أعاد الرئيس جو بايدن مفاوضات موسعة تشمل البرنامج الصاروخي الإيراني والنفوذ في المنطقة العربية، ما أنتجته السياسات الإيرانية بالعراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين كان أكبر بكثير من إلقاء القنبلة النووية على اليابان في الحرب العالمية الثانية، ملايين المشردين والفقراء والمعدمين حتى من المستقبل فهذه شعوب محبوسة كرهائن بيد الإيرانيين كانوا يتطلعون إلى هذه الصفقة أن تخلصهم خاصة وأن دوائر القرار السياسي الدولية والإقليمية تحدثت عن ضرورة حلّ قضايا الشرق الأوسط بعد الهجوم الحمساوي على إسرائيل. 

تخضع هذه الشعوب لإرهاب فكري وسياسي لم يعرفه العالم من بعد النصف الثاني من القرن العشرين، محاكم التفتيش في كل مكان حتى في عوالم الفضاء الافتراضي حيث ينتشر الآلاف من المتربصين المتعصبين القامعين لكل رأي يرفض واقع ما فرضته الأذرع الإيرانية، وهذه الشعوب مصابة بإحباط آخر بعد أن أفضت صفقة إطلاق الرهائن والأسرى بين إسرائيل وحركة حماس على تجنيبهم منها، كانت فرصة مواتية للمجتمع الدولي أن يضغط على إيران لعلها تطلق سراح أربع عواصم مازالت في غياهب السجون وخرجت عن سياقها القومي العربي. 

لماذا لم تشملنا صفقة الرهائن؟ هذا السؤال يحتاج إلى إجابة شجاعة وصادقة من قبل المجتمع الدولي، الذي يدعي الاهتمام بالسلام والعدالة في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاهل معاناة الشعوب العربية التي تعيش تحت سطوة إيران وأذرعها، ولا يمكن تبرير السكوت عن جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي، لا يمكن أن تكون صفقة الرهائن مجرد مسرحية سياسية لتلميع صورة إيران وحماس وإسرائيل، بل يجب أن تكون فرصة لإنهاء الصراع والاحتلال والاستبداد والفقر والجهل والتخلف في المنطقة، لا يمكن أن تكون صفقة الرهائن مجرد تبادل للأسرى والرهائن، بل يجب أن تكون تبادلاً للحرية والكرامة والحياة والمستقبل لجميع الشعوب العربية والإسرائيلية، لا يمكن أن تكون صفقة الرهائن مجرد نهاية لجولة من العنف، بل يجب أن تكون بداية لعهد من السلام. 

حق تقرير المصير يقضي بالضرورة إعادة النظر في واقع لبنان واليمن والعراق وسوريا كما يجب النظر باهتمام إلى ما تمزق النسيج الوطني في السودان وليبيا، ومع الشعور العارم بالخيبة فإن من المهم التحرك الدولي لدعم محور الاعتدال في منطقة الشرق الأوسط، إسناد الدور الإماراتي والمصري لمساعدة الشعوب الغارقة في الفوضى سيساهم بلا شك في إنعاش الآمال والاتجاه إلى الاستقرار والتنمية والأزهار، وهنا لابد من التذكير بأن الفرصة وأن هي مرت في صفقة تبادل الرهائن بعد حرب غزة الدموية فالسلام ممكن والشعوب المحبوسة في سجن إيران الكبير تتطلع كما هو الشعب الإيراني لصفقة كبرى تنهي المعاناة والبؤس، ويبقى السؤال عن لماذا لم تشملنا صفقة الرهائن؟