1 - الصحراء داهية الأزمنة، التي تنفي في واقعها وجود المكان، لكي تهدينا المكان الذي نستطيع أن نحمله معنا، في  معراج سفرنا.

2

 الصحراء هي الرسول الوحيد في الطبيعة، الذي عاهد نفسه أن يعيدنا إلى صوابنا، عندما يردّنا إلى أنفسنا، بحرماننا من كل ما متّ بصلة لإفيونٍ هو المكان، لكي يحقق فينا يقظة استنطاق نداء الحكمة الخالد: «اعرف نفسك»، كسبيل وحيد لبعثنا من اغترابنا، فلا نبقى في بريّة وجودنا مجرّد سابلةٍ، ولكننا نغدو رُسُلاً.

 3

 الصحراء هي ترجمان لكلمة خلاصٍ تقول: «إذا شئت أن تتعلّم، فليس لك إلّا أن تتألّم».

 4

 المفارقة الأقسى من كل شيء هي أن الصحراء، بمنطقنا، فراغ، خواء، ولكنه الخواء الذي لا يكتفي بأن يبرهن لنا عن هويّته كامتلاء، بل يأبى إلّا أن يقنعنا بأنه الخواء الذي كان له الفضل في تحقيق الإمتلاء!

 5

 بعثنا في الميلاد الثاني رهين هجرتين: هجرةٌ بالروح، وأخرى بالحرف. هجرة الروح لترويض الرؤيا، وترييض النفس على استحضار الوحي. والهجرة الثانية رأسمال في تجربة الهجرة الأولى، لأنها الحُجّة في ممارسة ذلك التغيير، الذي سيتوّج بالتحرير. وفي الحرية فقط تستوي ثمرة النبوّة.

 6

الصحراء ـ فردوس اللازمن.

 7

 لسان حال الصحراء يقول: «أي وجودٍ لفردوسٍ بوجود الزمن، لأن وجود الفردوس، رهين وجود الحرية، ووجود الحرية، رهين غياب الزمن».

 8

 الحضور في الصحراء ليس نزهة خلاص، ولكنه تجربة قصاص: نزهة الخلاص إغواءٌ يُميت، وتجربة القصاص ترياقٌ، يُحيي.

 9
إذا كان الواقع الدنيوي، بالهويّة، شاعراً؛ فإنّ الواقع الصحراوي، بالهويّة، نبيٌّ.

10

 الماء هو الداهية الذي لقّن الصحراء درس الحرية، عندما استوعبت لعبته الماكرة في الكرّ والفرّ. فهو وحده أوتي أعجوبة القدرة على الحلول في الجِرم كلّما راقه أن يستدرج إلى شَرَك الوجود، ولكنه لا يلبث أن يتبدّد، يتبخّر، يستبدل سرج الحرف، بسرج الطَّيف، ليحيا الحرية في البُعد المفقود، دون أن يعجزه بعث نفسه من رماد غيبته، مستعيراً في الأحاضيض الكيان من جديد. الماء هو الذي أوحى للصحراء بأن دخول ملكوت الربّ رهين الزهد في البلل، والإعتراف باليبوسة ديناً.

11

يوم قررت اليابسة أن تتبتّل لتكون الواقع الجدير بروح الألوهة، كالصحراء، ابتلعت في جوفها الفتن: كالماء والذهب والجوهر وكل جرم نطق بإغواء، إلى أن حلّ في رحابها سليل عدمٍ باسم آدم، لم يتردّد في أن يشقّ جوفها ليستخرج غصباً، ما أخفته عنه اليابسة خوفاً، ليكون ذلك النزيف سبباً في اغتراب السكينة، وهيمنة الزّيف.

 12

لسان حال الصحراء يقول: «لن تعرفني أبداً، إن لم تعرف نفسك. ولن تعرف نفسك، ما لم تتألّم بما يكفي، كي تبعث نفسك من رماد نفسك!».

 13

دين الصحراء من دين الماء: مَن آثمَ في حقّ الماء، اقتصّت منه الصحراء، ومَن آثم في حقّ الصحراء، فرّ من وجهه الماء!

 14

الصحراء، لإنسان الباطن، فردوسٌ؛ ولكنها، لإنسان الباطل، قصاص!

 15

 تلعن الصحراء في سرّها مريداً انتزع من جوفها كنزاً، لأنها تدري ما ستفعل به اللقية.

 وتبارك الصحراء مريداً، استلهم بفضلها نبوءةً، لأنها تدري ما سيفعله المريد باللقية.

 16

 في الصحراء فقط تتماهى الأضداد، فيصير الواقع عدماً، وينقلب العدم فردوساً.

 17

 الصحراء ـ تجسيدٌ مجازيٌّ فجيعٌ للحقيقة.

 18

 الصحراء عزلة لسليل الباطل، أمّا لسليل الباطن، المسكون بالحبّ، الظاميء لالتقاط حجّة خلاص، فهي بلاط أخيارٍ، يختزل زحام أنامٍ.

 19

 نولد بالجسد الفاني من بطن أُمٍّ هي طبيعة، ونحقق ميلادنا الثاني، من بطن روح، بفضل قابلةٍ هي الصحراء.

 20

 الصحراء عرّابة تدمن المحو إفيوناً. فهي لا تكتفي بأن تشذّب في مريدها البدن، حتّى يستحيل هيكلاً، ولكنها تمضي في ممارسة المحو، ولا تتوقّف حتّى تحوّل الباطل، في المريد باطناً.

 21

 الصحراء ـ فدية حرفٍ مجبولٍ بنزيف الحسّ، لتحقيق المجد لحدسٍ، ممهورٍ بختم الروح.

 22

الصحراء ـ شبح ترجمانٍ، يتغنّى بأنشودة الأحجية التي أخفتها عنّا الغيوب.

 23

واقع الدنيا كلّه نثرٌ، ولا يكون شِعراً إلّا مرّة واحدة: في بُعده كواقع صحراء.

 24

مجرّد وجود صحراء في دنيا باطلنا، هو عزاء يهوّن علينا فجيعة اغتراب الحقيقة في عالمنا.

 25

العالم ـ بغياب الروح، جحيم

الصحراء ـ بحضور الروح، نعيم.

 26

بقدر ما نسيء للصحراء عندما نسكنها، بقدر ما تحسن لنا الصحراء عندما تسكننا، لأننا نعامل الصحراء، عندما نسكنها، كغنيمة، في حين تعاملنا الصحراء عندما تسكننا كقيمة.

27

روح الصحراء فينا جليسٌ أنيس، ولكن روح الدنيا فينا تلبيسُ إبليس.