تَبنت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، الجمعة، قراراً بتعيين الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش لولاية ثانية في المنصب مدتها 5 أعوام حتي 2026.

ولذلك يُعد ذلك اليوم ليلة العرس الثانية بالنسبة لرئيس وزراء البرتغال الأسبق بعد أن سبق اختياره من قبل المنظمة الدولية في يناير عام 2017.

يَلَزم اختيار الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة إجرائين قانونين بمقتضي ميثاق المنظمة، حيث يلزم بداءةً أن يقوم مجلس الأمن للمنظمة بالتوصية الجماعية للجمعية العامة بقبول ترشح الشخص للمنصب، ثم تقوم الجمعية العامة للمنظمة بإصدار قرار يَعتمد اختيار المُرشح المُوصَي به من المجلس في هذا المنصب الأهم في المنظمة بالنظر لكون شاغله يرأس ذلك العدد الضخم من موظفي الأمانة العامة، فضلاً عن تمثيله للمنظمة أمام الدول والمنظمات  الدولية الأخرى، والتعبير عن الموقف الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة بشأن قضايا ونزاعات واهتمامات تَعُن للمجتمع الدولي بأسره.

يَعتبر ميثاق منظمة الأمم المتحدة الأمين العام للمنظمة الموظف الأسمي للمنظمة وهو مُكلف من طَرفها بكل الوظائف المُوكَلة إليه من الأجهزة الرئيسية الأخري للمنظمة، ومع أن الميثاق يُحدد سلطات الأمين العام وحدود هذه السلطات بَيد أننا نجد أن الأمين العام يتحرك بنشاط في مجالات معتبرة، ويجب في هذه المجالات ألا يَخرج الأمين العام عن الاهتمامات العامة للدول الأعضاء كما له أن يدافع عن قِيم وهيبة المنظمة من جهة أخرى.

وصفت المادة 97 من ميثاق  منظمة  الأمم  المتحدة الأمين العام بأنه "الموظف الإداري الأكبر في الهيئة"، ولكن هذا لا يعني أن كافة اختصاصات الأمين العام ذات صفة إدارية، بل أن له اختصاصات سياسية وتنفيذية مهمة لا يمكن الانتقاص من جلالها و أهميتها.

وبالعودة للاختصاصات الإدارية للأمين العام فهي كثيرة: فهو الذي يُعد ميزانية الهيئة ويجمع أموالها وحصص الأعضاء فيها، وهو الذي يحرر جدول أعمال الجمعية العامة كدورة عادية ويُضَمّنه ما يري لزوم عرضه علي الجمعية، كما أن له أن يطالب بإدراج موضوعات تكميلية فيه سواء في الدورة العادية أم الاستثنائية، وتُسجل لديه  كل المعاهدات الدولية التي يعقدها عضو من أعضاء منظمة الأمم المتحدة، وعلى الأمين العام أن يقوم بنشر هذه المعاهدات بأسرع ما يمكن، وهنا فتأسيساً علي إدارية هذه الوظيفة لا يجوز للأمين العام أن يرفض إيداع ونشر هذه المعاهدات ولكن يفحص فقط شكليات هذه المعاهدات من حيث اللغة والتمهير والأختام والنسخ الأصلية لهذه المعاهدات.

تَتعدد المهام الإدارية التي يقوم بها أمين عام الأمم المتحدة، ومن بين وظائفه أن يُؤمن سير اجتماعات أجهزة ولجان الهيئة ومؤتمراتها علي مستوى الكفاية، ويعد جدول الأعمال ويُخطر الدول وغيرها من الجهات التي يجب أن تشارك في الاجتماع، وأن يفحص أوراق اعتماد المُمثلين، ويجوز له بالنسبة لبعض المؤتمرات أن يقدم مقترحات بشأن طريقة العمل والإجراءات، وأن يقوم عن طريق موظفيه بدراسات وأن يساعد في إعداد مشروع القرار أو التقرير الذي يصدر عن المؤتمر.

يمارس الأمين العام للأمم المتحدة اختصاصات سياسية جَد مُهمة، حيث تنص المادة 99 من الميثاق: "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين"، كما فعل "تريفلي" عام 1950 في الأزمة الكورية و"داغ همرشولد" في أزمة الكونغو عام 1960، وقد يحتاج الأمين العام إلي القيام بتحقيق مسألة ما ليرى ما إذا كانت تهدد السلم والأمن الدوليين.

وكان الأمين العام قد سبق أن زعم لنفسه حق إجراء تحقيق رداً على اقتراح مندوب الولايات المتحدة بإنشاء لجنة تحقيق عند نظر مسألة اليونان، هذا فضلا عن أن لفت النظر إلى هذا المسألة في حد ذاته، وهو أمرغير ملزم للأمين العام، يعتبر ممارسة لوظيفة سياسية و ليست إدارية، وتجدر الملاحظة أن اختصاصات الأمين العام قد ازدادت من الناحية العملية في الميادين السياسية، فهناك أمثلة كثيرة فَوضَت فيها الجمعية العامة ومجلس الأمن الأمين العام للقيام بالوساطة  والتحقيق، وقد نصت غالباً القرارات والتوصيات الصادرة عن فروع الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة بالطلب من الأمين العام الإشراف ومتابعة التنفيذ ووضع التقارير الدورية عن كل ما تم تنفيذه.

إن اختصاص الأمين العام بإدراج موضوعات ضمن جدول أعمال أجهزة "الأمم المتحدة" وإصدار تصريحات واقتراح مشروع قرارات وتقديم تعديلات على المقترحات الأخرى، كل ذلك زود الأمين العام بأساس واضح لمباشرة نفوذ سياسي ملموس على أجهزة المنظمة.

ومن الأمثلة التي تساق في هذا الحديث تصريح الأمين العام أمام الدورة الاستثنائية للجمعية العامة في 8 أغسطس عام 1958، والذي أوجز برنامجاً شاملاً لأزمة الشرق الأوسط حين انتشرت القوات الأميركية في لبنان والقوات البريطانية في الأردن، و من أهم مظاهر الأدوار السياسية التي يلعبها الأمين العام دور الوساطة والنصح غير الرسمي للحكومات، وقد يقوم بهذا الدور بناء علي طلب المنظم أو من تلقاء نفسه كسائر ممارسات الوساطة والمساعي الحميدة التي تقوم بها الدول أو المنظمات الدولية. 

 ختاماً، تُجابِه المنظمة الدولية العتيدة تحديدات خطيرة لم تُخَبّر بها البشرية كما صرح بذلك الأمين العام ذاته بالإشارة لجائحة كورونا، وتعد هذه الجائحة المقياس والإختبار لمدي تضامن الدول أعضاء المنظمة، كما نوه لذلك الأمين العام الجمعة فور توليه منصبه.