كحُكم عمومي، يُمكن القول بأن نصف الحروب التي تغرق بها دول ومناطق شرق البحر المتوسط أنما تُخاض لغرض الهيمنة على الحدود السورية العراقية المديدة.

فالسيطرة على خمسمائة كيلومتر من الحدود الفاصلة بين الدولتين، تعني بأن دولة أو تياراً سياسياً ما من المتصارعين قد أنتصر في هذه المواجهة الكُبرى. كذلك فأنها تعني قُدرة طرف سياسي وعسكري واحد على السيطرة على الدولتين المفصليتين الأكثر حيوية في التركيبة الإقليمية، سوريا والعراق.   

المُعضلة، أن تلك الحدود لا يُمكن أن تُدار ويُسيطر عليها بالتقاسم والتوافق، بل فقط عبر مواجهة صراعية حاسمة، وذلك للطبيعة الجغرافية الصحراوية، وأساساً لما تتوخاه القوى المتصارعة على الحدود فيما بينها.  

ثمة أربعة قوى رئيسية تملك طموحاً لأن تُسيطر على الحدود السورية العراقية. لكل واحدة من هذه القوى مرامي واستراتيجيات مُختلفة لذلك. لكنها جميعاً تعرف بأن السيطرة على الحدود السورية العراقي هي واحدة من المعايير والمؤشرات على وزن وفاعلية أي من هذه القوى، في مرحلة ما بعد انتهاء الحروب الداخلية في هذه البلدان.

تُدرك الولايات المُتحدة بأن انخراطها في المنطقة إجباري، حتى لا تتعرض مصالحها وأمنها الداخلي لهزات عنيفة، جراء القلاقل السياسية والأمنية في المنطقة، حيث تُشكل سوريا والعراق أهم دولتين في المنظومة الإقليمية واستقرارها. ضمن هذا الإدراك الأميركي، فإنها تعرف بأن التمدد الإيراني الجديد ناتج عن اختلال الرؤية الاستراتيجية للولايات المُتحدة لمستقبل الدولتين.

ولأجل ذلك، فإنه من المتوقع أن يزداد الانخراط الأميركي في الفترة القادمة. إذ ثمة شعور مُتعاظم ضمن الإدارة الأميركية بأن الفصل بين سوريا والعراق سيؤدي إلى الحد من النفوذ الإيراني، وتعتبر الولايات المُتحدة أن كسر الممر الإيراني الذي يصل إلى البحر المتوسط سيكون عاملاً فاعلاً في ذلك.

من جهة أخرى فأن الولايات المُتحدة، ومعها الكثير من القوى الدولية، تعتبر أن المنطقة الصحراوية الشاسعة بين سوريا والعراق تُشكل تحدياً أمنياً دائماً، وأن السيطرة على تلك المنطقة يُعد واحدة من أدوات الدفاع العسكرية، وإن كان بتسلميها لحُلفاء وقوى موالية ومستأمنة الجانب.

على النقيض من ذلك تماماً، تعرف إيران أن شبكة نشاطها السياسي والعسكرية الحيوية، التي تُشكل صمام نفوذها السياسي مُنذ العام 2003، أنما تعتمد على الممر المفتوح أمامها، الممتد من أراضيها إلى لبنان والقوى الفلسطينية، مروراً بالعراق وسوريا.

قبل مرحلة داعش، لم تكن إيران تُسيطر على طرفي الحدود، لكنها كانت تُدرك بأن النظامين العراقي والسوري يسمحان لها بالعبور دون أية مُراقبة، وأن إيصال كُل شيء لأبعد حُلفائها من حزب الله والتنظيمات الفلسطينية مُمكن على الدوام.

فرضت التحولات العسكرية والأمنية شروطاً جديداً على النِظرة الإيرانية لمسألة الحدود، وصارت إيران تُشكك بإمكانية النِظامين العراقي والسوري تأمين طُرق الإمداد والتواصل ضمن هذه الصحراء الشاسعة دون أن تتعرض لبعض الأخطار الأمنية. لذا تميل إيران للسيطرة المباشرة على المنطقة الحدودية بين البلدين، وإن عبر تنظيمات رديفة لها، كالحشد الشعبي العراقي ومليشيا الدفاع الوطني والتنظيمات العشائرية السورية.

بدورهما، فأن النظمان السوري والعراقي، يعرفان بأنهما لم يعودا فاعلين بما فيه الكفاية، وأنهما في المُحصلة جزء من التحالف الأكبر الذي تقوده إيران. إلا أنهُما يعرفان بأن السيطرة على الحدود هي من أسس الحفاظ على السيادة، وإن كان الأمر يستدعي السيطرة على المنافذ الرسمية فقط، وتسليم مهمة السيطرة على الشريط الحدودي لتنظيمات ميلشوية بأقنعة رسمية، كالحشد الشعبي العراقي والدفاع الوطني السورية.

السيطرة على الحدود أكثر إلحاحاً بالنسبة للعراق منه لسوريا. فسوريا ما تزال مشغولة بما هو أكثر تأثيراً. إلا أن العراق يعتبر أمن الحدود واحداً من المسائل الرئيسية التي كانت سبباً لغرقه في دوامة الحرب الأخيرة، وأن تأمين الحدود سيساعدها على ضبط الوضع الأمني داخلياً.

لا يتطلع كلا الطرفان الكُرديان، إقليم كُردستان العراق والإدارة الذاتية الكُردية السورية، لا يتطلعان إلا للسيطرة على الحيز الشمالي فقط من طرفي الحدود، وهو مُتحقق راهناً.

تطمح قوات سوريا الديمقراطية، الجهة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكُردية، تطمح للحفاظ على ما تُسطير عليه من الجانب السوري من الحدود، والذي يُقدر بحوالي 100 كم في أقصى الشمال، لأن ذلك سيسمح لها بالتواصل التجاري والسياسي مع إقليم كُردستان العراق. كما أن بقاء منطقة حدودية مُشتركة بينها وبين الحكومة المركزية العراقية سيساعدها على إبقاء أواصر التواصل مع "حلفائها من الشيعية العراقيين"، المُتربطين بإيران.

كما يحتفظ نفس هذا الطرف بسيطرة على بعض المناطق الحدودية ضمن الأراضي العراقية، في منطقة سنجار، وهي تعتبر ذلك جزء من استراتيجيتها لخلق مساحة عملٍ ونفوذٍ عسكري وسياسي ضمن الأراضي العراقية.

إقليم كُردستان العراق يرى في إمكانية احتفاظه بالشريط الحدود الشمالي من الطرف العراقي أمراً جوهرياً للحفاظ على المناطق المُتنازع عليها في إقليم سنجار اليزيدي غرب مدينة الموصل. كما أن يؤمن لها تواصلاً تجارياً وسياسياً مع سوريا. على الأهم من كُل ذلك بالنسبة للإقليم هو الاحتفاظ بالعازل الذي يفصل العراق المركزي عن الحدود التُركية، وبالتالي الاستفادة من الحركة التجارية والنفطية التي قد تمر عبر الطرفين.