في ختام اجتماعات "منتدى فيليا" التي عُقدت طوال الأيام الماضية في العاصمة اليونانية أثينا، قال وزير الخارجية اليونانية نيكوس ديندياس بأن هذا المنتدى الذي ترعاه بلاده، والذي يعني "لقاء الصداقة"، أنما يبتغي إحداث تغيير جوهري في السياسات الخارجية لبلاده، من كونه دولة متوسطية وجزء من الفضاء الأوروبي فحسب، إلى: "طموح اليونان هو أن تصبح جسرا بين شرق البحر المتوسط والخليج والبلقان وأوروبا".

لا تبدو تطلعات الوزير اليوناني بعيدة المنال، فالفضاء والديناميكيات السياسية التي تجع دول العالم العربي باليونان راهناً، ولأسباب اقتصادية وجغرافية وثقافية استراتيجية جماعة بين الطرفين، اليونان ودول العالم العربي. حيث عبر مثل تلك العلاقة الاستراتيجية يمكن للطرفين تأسيس مجموعة من الحقائق السياسية الجديدة، التي تكون لمصلحة الطرفين في الآن عينه، بالذات في حيز الأمن القومي.

الكتلة العربية، التي تضم دول الخليج العربي إلى جانب مصر، والتي قد تضم العديد من الدول العربية الأخرى مستقبلاً، مثل السودان والأردن، التي تمثل فعلياً كامل الكتلة السكانية والجغرافية لكامل جنوب المتوسط. فأنها تُعتبر النظير الموضوعي للكتلة الشمالية للمتوسط، المتمثلة بدول الكتلة الأوربية، ودولتها الأكثر قرباً وارتباطاً بالجنوب، اليونان.

سياسياً، فأنه ثمة 3 جوامع بين اليونان والعالم العربي. فالطرفات متأذيان من النزعات التدخلية التركية، التي تسعى لأن توجد أشكال من الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية في الدول المجاورة لها، وتالياً فرض سطوة سياسية واقتصادية تركية من خلال هذه الأشكال من التدخل.

إلى جانب ذلك، فإن القيم السياسية الرئيسية التي تتبناها اليونان، كدولة "نصف شرقية" ضمن المنظومة الأوربية، فأنها من أكبر الدعاة لإنشاء حلول موضوعية معقولة للخلافات والقضايا السياسية العالقة بين الدول والقوى الإقليمية والدولية، بالذات منها أشكال سوء الفهم التي تأسست بسبب التنظيمات المتطرفة.

فاليونان، بالضبط مثل كتلة الاعتدال العربي، تسعى لأن تزيل كل أشكال الاحتقان وسوء الفهم السياسي تلك، على عكس الخيارات السياسية الشعبوية، المتناقضة ظاهرة والمتكاملة فعلياً، وعلى دفتي المتوسط.

اقتصادياً، فإن أزمة غاز شرق المتوسط طوال العامين الماضيين أثبتت ما يجمع الطرفين بشكل عضوي. حيث أدى التعاون اليوناني مع الدول العربية إلى تأسيس "اتفاقية غاز شرق البحر الأبيض المتوسط" في العاصمة المصرية القاهرة.

تلك الاتفاقية التي حفظت الحقوق السيادية للدول الموقعة على الاتفاقية في ثرواتها الوطنية، وتالياً تجاوز مسألتين مُقلقتين: تتمثل الأولى بتجاوز إمكانية الاستيلاء على ثروات الدول عبر التهديدات العسكرية، والثانية في كسر احتكار نقل الغاز والمشتقات النفطية من الجنوب إلى الشمال.

مثل الغاز، ثمة سلسلة من الخبرات والميزات الاقتصادية اليونانية، بالذات في قطاعات الزراعة والسياحة، حيث جوهر الاقتصاد اليوناني، يمكن نقلها إلى دول الكتلة العربية، بما في ذلك الدول النفطية، التي تملك استراتيجيات لإعادة هيكلة اقتصادياتها، لتكون أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على النفط. خصوصاً وأن طبيعة البيئة الاقتصادية والمناخية متقاربة بين الطرفين.

يضاف كل ذلك إلى شكل التقارب الجغرافي الذي يربط البلدان العربية هذه باليونان وجزيرة قبرص، بطريقة تشكل شبه امتداد جغرافي بين شمال العالم وجنوبه.

العاملان الاقتصادي والسياسي قائمان على مضمون ثقافي تاريخي. فاليونان كانت تاريخياً تملك تاريخياً تواصلياً مع العالم العربي، وتعتبر ثقافتها العليا وروحها الأرثوذكسية جزء من جنوب المتوسط كما من جنوبه.

فاليونان يعتبرون المسيحيون المشرقيون، الأرثوذكس بأغلبيتهم المطلقة، القاعدة الروحية والثقافية المركزية لوعيهم الثقافي والروحي الديني، وتالياً يعتبرون شعوب وجغرافيات جنوب المتوسط جزء من ثقافتهم وبيئتهم الطبيعية.

قبل آلاف الأعوام، نمت في أراضي اليونان العديد من الحضارات، شكلت الحضارة الإغريقية ذروة نهضتها الإنسانية. تلك النهضة التي امتدت إلى كافة ضفاف السواحل المتوسطية، تُرجمت إلى جميع اللغات هناك، وصارت القاعدة الرئيسية لاشتراك حواضر المتوسط وتكاملها.