رغم أنه أصغرُ عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية تكساس، إلا أنه معروف بنشاطه وحركته الدؤوبة. ومع أن الحظ خالفه في الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري له لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية قبل أربعة أعوام، فإن من المؤكد جدا أن مقعد الرئاسة يشاغب عقل كروز الجمهوري الناشط،

وفي وقت يحتاج فيه الحزب بالفعل إلى تجديد الدماء، سيّما أن أحدا لا يتصور أن يصوت الأميركيون لصالح دونالد ترامب مرة ثانية بعد أربع سنوات، إذ سيكون حينئذ قد بلغ من العمر أرذله "82 عاما".

قبل أن يجد جوزيف بايدن طريقه إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير كانون الثاني المقبل، جاء كروز ليقطع الطريق على أي إرهاصات أو تخرصات، تحاول أن تربط بايدن بسيرة جماعة الإخوان المسلمين ومسيرتها في الداخل الأميركي.

والشاهد أن الحضور الإخواني في الداخل الأمريكي، بات حقيقة لا يمكن إنكارها، ولعل هذا له أسباب وظروف زمانية تداولتها أقلام الخلق، وتناقلتها ألسنة الحق كثيرا فيما مضى، وبات التساؤل الآني هو: هل سيعيد بايدن رؤية إدارة أوباما لجهة التعامل مع جماعة الإخوان، سويداء القلب من بقية جماعات الإسلام السياسي، لا سيما وأن هناك من لا يزال يؤمن في واشنطن بإمكانية التعاطي مع تلك الجماعة؟ وكأني بأحفاد أسرة البوربون يعودون إلى الحياة، من دون استيعاب الدروس المؤلمة، ولا تقدير التجارب الكارثية التي مرت بها أميركا، من جراء تماهيها مع تلك الجماعات منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى إدارة باراك أوباما.

بدا الصراع بين بايدن وترامب خلال الانتخابات الرئاسية من وجهة نظر التيارات الأصولية، داخل وخارج أمريكا، وكأنه صراع على من يخدم مشروع الجماعة بأكبر قدر وأوسع إمكانات، ولهذا  كان الخيار اليسير بالنسبة لهم، هو دعم بايدن، عساه يكون الحلقة التالية من مشروع أوباما، وكم كانت صدمة هؤلاء قاسية حين تحدث بايدن مؤكدا أن إدارته لن تكون ولاية ثالثة لأوباما، الأمر عينه الذي كان قد استبقه إليه وزير خارجيته المرتقب، أنتوني بلينكن، إذ أشار إلى أن فريق الرئيس الجديد، سوف يتعامل مع واقع عالمي مغاير عما سبق، ومع أقطاب وتجمعات عالمية مختلفة، وكأني به يود القول: نحن لسنا جماعة أوباما بل نحن إدارة بايدن.

يأتي مشروع القانون الخاص بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، في وقت ترتفع فيه الأصوات حول العالم، منذرة ومحذرة من فاشية هذا التنظيم، ومشروعه المستمر والمستقر منذ تأسيسه لتسيد العالم، عبر الاختراقات الداخلية للأمم والشعوب من جهة، ومن خلال رفض الاندماج وإقامة غيتو إيديولوجي ودوغمائي داخل دول المهجر، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأميركية، بوصف واشنطن مالئة الدنيا وشاغلة الناس.

والثابت أنه ليس تيد كروز وحده من قام على المشروع القديم الجديد مرة أخرى، فهناك كذلك من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين من يدعمه، مثل جيم إنهوف، ورون جونسون، وبات روبرتس.

والحال أنه لا يمكن أن يدعي أحدهم أن تحركات كروز تهدف فقط لوضع العصا في دولاب إدارة بايدن، فما من عاقل يتصور أن بايدن سيحرك أساطيل أمريكا ليغير شكل العالم الذي انقلب على الإخوان عربيا وشرق أوسطيا، فالرجل – الرئيس، لديه في واقع الأمر ما يكفي ويزيد من تحديات داخلية، وخاصة في ظل نسيج مجتمعي أميركي مهترئ.

حاول كروز من قبل تحريك المياه الأميركية الرسمية تجاه الجماعة التي لا تؤمن إلا بلغة الدم، وهو ما أثبتته التجربة، ويتعامى عن رؤيته كثير من الأميركيين "المتأخونين" لا سيما في حنايا وخبايا وزارة الخارجية الأميركية، وأتباع هيلاري كلينتون وباراك أوباما.

السؤال التقني في هذه السطور:" من الجهةُ التي يقع على عاتقها اتخاذُ الإجراء الرئيس لتعبيد الطريق أمام اتخاذ أمريكا قرارا حاسما وحازما تجاه جماعة الإخوان خاصة، ومن يدور في فلكها عامة؟

من دون الغوص في عمق الإشكاليات التقنية الداخلية، يمكن القول، وباختصار غير مخل، إن مشروع كروز وصحبه، يحث في بداية الأمر وزارة الخارجية الأمريكية على استخدام سلطتها القانونية، لتصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية.

من هنا، وفي حال موافقة الوزارة، فإن هذه الأخيرة ترفع تقريرها إلى الكونجرس وتشير فيه صراحة وبوضوح كاف، ومع تقديم كل المبررات التي تتسق والمعايير القانونية لتصنيف الجماعة منظمة إرهابية.

يمكن اعتبار السيناتور كروز؛ الشاب حُكما، مقاربة مع أعمار ترامب وبايدن، أحدَ البيوريتانيين، أي المؤمنين بأمريكا العفيفة النقية التقية.

غداة تقديم كروز مشروعه الطهراني من جديد، تحدث قائلا:" أنا فخور بإعادة طرح هذا القانون، ولتعزيز حرب أمريكا ضد الإرهاب الإسلاموي المتطرف. إنني أثني على عمل الإدارة الحالية في تسمية الإرهاب باسمه ومحاربة انتشار هذا التهديد المحتمل، وأتطلع إلى تلقي المعلومات الإضافية التي يطلبها هذا القانون الجديد من وزارة الخارجية".

لم ينطلق كروز من فراغ، إذ يشير إلى خلاصات من يعتبرهم حلفاء لبلاده، والتي توصلوا إليها بدمائهم المسفوكة، وهي أن هذه جماعة إرهابية تسعى إلى بث الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط".

على أن شيئا مثيرا، وربما  حزينا، يلفت الأنظار، في مشروع كروز لصبغ الإخوان بالإرهاب، وهو أن هذه هي المرة الثالثة التي يُقدِمُ فيها على هذه الخطوة الجسورة، فقد حاول عام 2015 في زمن ولاية إدارة باراك أوباما، وكان من الطبيعي أن لا تلقى دعوته آذانا مُصْغِيَةً، لا سيما في ظل إدارة تماهت مع الراديكاليين بالمعنى السلبي، إلى  أبعد حد ومد، ثم حاول من جديد في 2017 وأخفق، إذ كانت ولا تزال وزارة الخارجية الأمريكية  مخترقة، من زمن الجد أيزنهاور، مرورا بالعم بريجنسكي، وصولا إلى صاحب الأمل المغشوش من 2009 إلى 2016.

ما السبب؟

الجواب لفت النظر إليه، مايك بومبيو، رجل الاستخبارات الأمريكية أول الأمر، وكبير الدبلوماسيين تاليا، قبل عدة أشهر في محاضرة له في جامعة ستانفورد العريقة.

ما لم يقله بومبيو في رده مباشرة، وإن تم استنتاجه بشكل قطعي هو أنه ليس من السهولة أن يحدث الأمر، فتشابكات وتقاطعات وعلاقات الولايات المتحدة مع جماعات الإسلام السياسي، صعب التحلل منها بقرار فوقي على هذا النحو، كما أن التلاعب بتلك الجماعات كبيادق على خارطة الشطرنج الإدراكية حول العالم، يُبقي على كواليسَ خلفيةٍ بين أمريكا والأصوليين.

الخلاصة.. مواجهة الإخوان عربيا وشرق أوسطيا ومجابهتم، معركة يجب أن تُـنقلَ إلى الداخل الأمريكي بأسرع وقت لدعم ومساندة كروز وأقرانه، وتوسيع إحداثيات مشاغبة العقلية الأميركية إعلاميا وسياسيا ودينيا، وهذه قصة أخرى.