الزواج المترتب على قصة حب قوية هو أحد أحلام الشباب والشابات خاصة مع لعب الأفلام والأغاني دورا كبيرا في العزف على تلك المشاعر حتى يكاد يترسخ في ذهن الأجيال الصاعدة أن زواجًا مبنيا على قصة حب نتيجته سعادة أبدية.

لكن هذا المفهوم يصطدم دائمًا بالواقع ولا أتحدث هنا عن الفشل في الحب الموصل للزواج وإنما عن فشل الزواج المبني على الحب وحده في حالات كثيرة.

يجلس الشاب في أحد المقاهي بلباسه الأنيق وعطره الفواح وهدية ما في جيبه أو أسفل الطاولة ستكون من نصيب محبوبته، ويتمم في حرص على النقود في جيبه حتى لا تخذله وتسهل له قضاء وقت رومانسي جميل لا يعكره صفو فاتورة ما تناوله رفقة حبيبته من شراب أو طعام أو غيرها، مع تحضير ما تجود به قريحته من كلمات الغزل والغرام المؤثرة في مشاعرها ووجدانها.

أما هي فقد خرجت في أبهى صورة وفي أجمل لباس ولم تنس وضع ما استطاعت من مساحيق تجميل وتكلف في رقة الصوت ثم جلست أمامه تستمع لكلامه المعسول الجميل وتحصل على هديتها القيمة وتأكل في تأنٍ وتشرب في هدوء فلا يرى منها قبيح ولا يشم منها إلا أطيب ريح، مع وعود بالوقوف جانبه ودعمه أمام منعطفات الحياة الصعبة.

حين تنتهي قصة الحب بالزواج فإننا نواجه معضلة غياب السكرة وظهور الفكرة وزوال المساحيق فلا هو سيكون في تمام أناقته في المنزل ولن يضع العطر طوال الوقت لا سيما إن كان من الطبقة المتوسطة، ثم إنه سيحسب ما في جيبه جيدا للتأكد من وجود ما يكفي من مصاريف الطعام والشراب والملبس وغيرها من مستلزمات الحياة فتقل الهدايا وينخرط في معترك الحياة في صراع لكسب قوته وتأمين حياة أسرته فلا يكون الكلام الرومانسي هو شغله الشاغل وإنما الوفاء بالتزاماته تجاه أسرته.

وهي لم تعد تضع المساحيق طوال اليوم وأصبحت ترتدي ملابس المنزل العادية وصارت تأكل وتشرب على طبيعتها وقد يراها حين تصحو من نومها كأي امرأة تحتاج لغسل الوجه وترتيب الشعر وتنخرط في تحضير الإفطار وغسل الملابس وكيها وقضاء وقت كاف في المطبخ لغسل الأطباق وكنس المنزل وحساب ما يحتاجه المنزل من مشتريات مع الاهتمام بواجبات الأطفال إن وجدوا، فلم تعد تلك المرأة التي لا يشغلها سوى أناقتها وإبهار الحبيب بأنوثتها، تلك الأنوثة التي لا تزال موجودة لكن جزءا غير يسير منها قد اختبأ خلف معركة الحياة الأهم.

هنا يبدأ أحد الزوجين أو كلاهما في التذمر والشكوى من تغير الشريك وعدم توقعه هذا الشكل من الحياة ومع ضغط الحياة تبدو النظرة للآخر وكأنه مارس نوعا من الخداع حتى وإن كانت هذه مستلزمات كل منزل وطبيعة أي حياة زوجية، فتبدأ المشاكل الناجمة عن الجهل بالحياة ومراحلها وليس عيب الشريك.

ثم تبرز تدريجيًا العيوب الشخصية والاختلافات في البيئة والخبرات والتربية وهي التي كان كل منهما يحاول إخفائها خلال أيام الحب الأولى فقد يواجه مشكلة مادية تضطره لترشيد النفقات أو تواجه هي أزمة صحية تهمل على إثرها في نفسها دون قصد وقد تشكو من طريقة طعامه أو يشكو هو من بدانتها بعد الزواج بما يجعل تحمل مصاعب الحياة الأكبر أمرا شاقا فتتدمر العلاقة ما لم يتمتع أحدهم أو كلاهما بعقل رشيد يدرك حقيقة الحياة ويتكيف وفقا لها.

يمكن تعميم ذلك على الحياة في زمن الكورونا فالأب الذي كان يعمل طوال اليوم ولا يرى أولاده وزوجته إلى آخر اليوم مع سماع ملخص بسيط عن يومه صار الآن يعيش مشاكل اليوم وجنون زوجته مع أولاده ساعة بساعة ومدى الإزعاج الذي يسببوه والمشاكل التي يتورطون فيها وكيفية إدارة زوجته للمنزل في غيابه فيدقق النظر ويكثر التعليقات، ومع شعوره بالفراغ تكثر طلباته خاصة في الطعام والشراب ويصبح همَّاً فوق همها، بينما هي لا تدري حجم العصبية التي اكتسبها بفعل ضغوط العمل والمواصلات وحساب المال والتنافس مع الزملاء وغيرها، فتشتعل المشاكل وتتسع هوة  الخلافات ويشعر كل منهما بأزمة حقيقية في التفاهم مع الآخر، وتكثر الصدامات ما يفسر زيادة نسبة المشاكل الأسرية في معظم أنحاء العالم في أيام الحظر الإجباري بسبب تفشي فيروس كورونا.

إننا نحتاج لعدم الاكتفاء بغرس الرؤوس في الرمال سواء في مرحلة ما قبل الزواج أو في الاختبار الحقيقي عندما يجتمع الشمل تحت سقف منزل واحد، ولعل استقرار الناس في المنازل هي صدمة أراد الله منها أن نفيق ونكتشف أننا بحاجة للنظر بعين الآخر والاطلاع على معركة حياته التي يخوضها يوميا دون أن نشعر حتى لو كان هذا الآخر نصحو على وجهه نهارا ويشاركنا النوم ليلا.