لا يبدو قرار نقابة المهن الموسيقية بمنع من يطلق عليهم في مصر مسمى مطربي المهرجانات من الغناء في الأماكن السياحية وإقامة الحفلات قد وضع يديه على مكمن الأزمة وعالج المشكلة التي هي أكبر بكثير من هذا القرار.
منحنى الفن في مصر آخذ في الهبوط ولا يمكن الادعاء بتميز الأعمال الفنية العادية عن الشعبية لأسباب عدة جعلت ما يقدم من أفلام ومسلسلات وأغانٍ في مجملها لا ترقى بالذوق العام وتحتاج إلى نظرة أعم وأعمق تأخذ الصورة بشكل عام دون التحيز ضد فئة أو مع أخرى.
فمن وضع الفتيات في الكليبات المصورة خلف المطربين يرقصن ويتمايلن خدمة لهذا المطرب أو ذاك لم يكن حمو بيكا ومجدي شطا وإنما مطربو الفئة الأولى الذين حولوا النظرة للمرأة من عقل وفكر ومصدر حنان واحتواء إلى مجموعات من الفتيات يتبارين في الرقص وإظهار المفاتن ويطلبن رضا بطل الكليب من المطربين معيدين إلى الأذهان صورة الجواري في العصور الوسطى.
كما تراجعت الأفلام والمسلسلات في مصر إلى مستوى الاقتباس والتقليد بعد أن كان الابتكار وكتابة القصص والسيناريوهات المستمدة من أزمات الشارع المصري والعربي هي السمة البارزة لهذه الأعمال التي كانت تلتف حولها الأسر وتبقى عالقة في أذهان الناس لمدة زمنية طويلة لتصبح تقليدا أعمى لثقافات أخرى بلا لون أو طعم وسرعان ما تتبخر قيمتها بمجرد انتهاء موسم عرضها بما يحمله من دعايات قوية لها، في وقت لا تزال فيه بعض الأعمال تعرض بالأبيض والأسود ولا يشعر المشاهد بالملل من تكرارها مرات عديدة لأنها نالت قسطا من تعب الكاتب والمخرج والممثلين في إنجاز العمل وإخراجه بصورة محترفة.
كذلك فإن ما عابه الجمهور على أغاني شاكوش وشطة وبيكا وغيرهم من ذكر الخمور والمواد المخدرة كان يعرض بشكل طبيعي في أفلام كبار الممثلين المصريين صوتا وصورة من دون أن ينادي أحد بوقف تلك الأعمال مدفوعا بالوازع الأخلاقي نفسه.
فالبطل في نسبة لا يستهان بها في تلك الأعمال يحق له تصوير ممارسته للبلطجة والعنف كنوع من القوة المحمودة ويوضع تناوله للمخدرات في قالب كوميدي لا ينكر هذا الفعل ولا يعتبره مشينا كما تظهر النظرة للمرأة في نسبة كبيرة من الأعمال كدمى جنسية تعتمد في المشاهد على مدى قدرتها على نزع ما يغطي جسدها بدلا من نزع ما يغطي العقل ويحجب الفكر ويرجع بالأمة للخلف.
ارجع إن شئت لأعمال بوبوس وإبراهيم الأبيض واللمبي في قائمة تطول لممثلين من الفئة الأولى لتكتشف أن الفن في مصر يحتاج إلى إعادة تأهيل لكل جوانبه ونظرته لمشاكل المجتمع وكيفية معالجتها، فما ننكره على مطربي المهرجانات ننكره أيضا على هؤلاء الفنانين الذين يحتاجون إلى وقفة مع النفس قبل أن يوجهووا سهام نقدهم اللاذع نحو المطربين الشعبيين بداعي التفوق الأخلاقي عليهم.