الشهوة مكيدة تستهدف الجمال. بدليل أن الجمال ينطفئ حال تقرّر الحسناء أن تستدرجنا، فتكشف لنا عن مفاتنها!

الجمال هو ذلك الطّيف الشفيف الذي يتستّر خلف قناعٍ لا أعرف لماذا نسمّيه حُسناً، إذا كان يأبى إلا أن يبرهن لنا على عدائه السافر للجمال، ما تخفّى وراء هذا القناع، ما ظلّ يحترف التخفّي خلف هذا القناع الذي لا يتردّد في أن يُخاطبنا من موقع الحصن.

فالجمال في هويّته ضربٌ من شُعاع. شعاعٌ يسطع من وراء حجاب. بل، في الواقع، لا يجود بكل مواهبه إلا من وراء حجاب. وكم سيخيب ظنّنا، فيما إذا عاملنا هذا الجسد، الذي يطلّ علينا من خلاله، فحسبناهُ جمالاً، بدل أن نستنزل في حقّه الحُكم المُستَحقّ، فنقول أنه مجرّد حجّة. مجرّد إيماء. مجرّد حرف في معجمٍ سخيّ، يضيق بذخيرة جسيمة، يستطيع أن يلوّح بها على نحوٍ مّا، ولكن هيهات أن يتحفنا بها، لأن ما نهفو إليه حقّاً هو فحوى أخرى لن يشفي غليلها فينا الإيماء المخادع، الذي اعتدنا أن ننعته بالإغواء.

فالحجّة هنا فتنة دوماً، ولكنها لا تلبث ان تنقشع في حال تمكّنا من الإستيلاء على الجسد!

لأن الملكية لم تكن يوماً ضماناً لفوز، بل التجربة برهنت منذ الأزل كم هي مخيّبة للآمال. فبالملكيّة نكتشف أن القناع، في الصفقة الغيبية، ما هو إلا حرف. مجرّد حرف. الحرف الذي إذا أمسكنا به تلاشى في الحال، ليخلّف لنا الباطل، الذي يسكنه، فلا نعثر على أثر للبُغية النفيسة التي تضيء في طلعته، ولكن لها القدرة على الإفلات كسراب. وهو ما قد يعني أن البُنية كلّها ما هي إلا تركيبٌ عبقريّ، الفحوى الخفيّة فيه قدس أقداس، بقدر ما القناع فيه راية دَنَس، بدليل أننا لا تبتلينا الأقدار بهزيمة أكثر مرارة من الهزيمة التي نتجرّعها بفعل الفشل في اقتناص الجمال عبر وسيطٍ لعوبٍ كالجسد. يكفي أن التحريف، كمفهوم، مستعارٌ حرفيّاً من جناب الحرف. ولذلك هو يُميت، كما يوصي القدّيس، بقدر ما الروح تُحيي.

والمفارقة أن الجمال لا يتحصّن إلا بهذا الحرف الذي يُميت بالسليقة، ربّما لكي يمتنع منّا. ربّما لكي يكشف لنا عن طبيعته كمُحال، كمثال بعيد المنال. ولهذا السبب لا ننال الحسناء بامتلاك الجسد الذي يُخفي الجمال في الحسناء.

لا ننال الحسناء في المخدع. لا نهتدي للجمال في مملكة الحسّ، ولكننا ننال الجمال عندما نقطع في المغامرة شوطاً أبعد. أي عندما نهدّم الحصن. عندما نمزّق القناع، وهو ما لا يتحقّق بدون أن نُميت الحسناء. بلى! نفقد الجمال في الحسّ ولا نستعيده إلا في الحدَس. نستعيده في الموت!.

و لهذا السبب لا يتحقّق الحبّ إلا في الموت، في حين يموت الحبّ بالملكية، لأن الرهان هنا هو الحرف الذي يُميت وليس الروح التي تُحيِي.

فالحدَسُ ملاذ. الحدس ملاذٌ أخير. فهو. وحده تُرجمان. وحده تُرجمان الضّمير. في الضمير تسكن البُغية. يسكن الجمال، لأن الضمير وطن الله.

فبقدر فتنة هذا الرسول، بقدر ما هو هشّ. و لهذا السبب لا يُنال إلا خطفاً. وإذا ظلّ رهين الشَّرَك المدعو حرفاً، فليس ذلك إلا لأنه غنيمة منسيّة في باطن بُعْدٍ مفقودٍ هو: الحدَس. ولم يعتنق الجمال دين المُحال، إلا لهذا السبب.

وهو ما يغيب عن الحسناء عندما تحاول إتقان الفخّ، فتكشف لنا عن مفاتنها كي تستدرجنا بهذه الحيلة الطفوليّة، ولو أدركت كم تنفّرنا بما تحسبه إغواءً لما احترفت هذه العادة، التي صارت في عالم حِسان هذا العالم طبيعة ثانية، لأن الجمال، في هذه الحال، لا يهرع لنجدتها، ولكنه يفرّ من قبضتها.