أثارت التحركات الأميركية والأوروبية المكثفة للدفع نحو وقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية في قطاع غزة، تساؤلات بشأن تحوّل الموقف الغربي إزاء الحرب التي تدور رحاها منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتداعيات على طبيعة دعمهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الفترة المقبلة.

ووجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يزور المنطقة للمرة السادسة، تحذيرا شديد اللهجة لنتنياهو وأعضاء حكومة الحرب خلال اجتماعهم، بشأن خطة تل أبيب في غزة لمرحلة ما بعد الحرب.

وباتت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مُصرين على رفض العملية العسكرية التي تعتزم القيام بها في مدينة رفح جنوبي غزة، إذ اعتبر بلينكن أن تنفيذ أي هجوم بري على رفح يُهدد بفرض عزلة أكبر على إسرائيل، في حين حث القادة الأوروبيون نتانياهو مجددا إلى الامتناع عن شن عملية عسكرية في رفح تحسبًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية.

واعتبر سياسيون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تمادي إسرائيل في عملياتها العسكرية دون آفاق مُحددة بشأن خطة "اليوم التالي"، إلى جانب تردي الأوضاع الصحية والإنسانية لسكان غزة، زادت من حدة الانتقادات الغربية على الحكومة الإسرائيلية، كما بدا الخلاف واضحًا مع نتنياهو نفسه مع تمسكه بعناصر حكومته "المتشددة"، متوقعين أن يمارسوا ضغوطا لرحيله عن الحكومة.

تحولات غربية

  • قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو "تدهورت بشكل مطرد بسبب الأجندة السياسية المختلفة وأهداف الحرب المتضاربة".
  • وفي الأسابيع الأخيرة، زادت التحولات الغربية إزاء التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، إذ دفعت واشنطن بمشروع قرار أميركي يدعو لوقف فوري للقتال في غزة مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن لدى حماس، بيد أن روسيا والصين استخدمت حق النقض (الفيتو) عليه.
  • ومع ذلك، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن باريس ستعمل على صياغة قرار جديد بالأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة.
  • كما وافق الزعماء الأوروبيون بالإجماع على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في ختام قمة الاتحاد الأوروبي ببروكسل، حيث شددوا على ضرورة تجنب التصعيد في غزة وتوسيع الصراع في الشرق الأوسط.
  • يأتي ذلك فيما حث عشرات المسؤولين الأميركيين السابقين الرئيس بايدن على اتخاذ موقف أكثر صرامة مع إسرائيل، إذ أفادت تقارير بأن ما يقرب من 70 مسؤولا ودبلوماسيا وعسكريا أميركيا سابقا حثوا بايدن، على تحذير إسرائيل من عواقب وخيمة إذا حرمت الفلسطينيين من الحقوق المدنية والاحتياجات الأساسية ووسعت النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.
  • وفي تطور استثنائي آخر، حذر كبار رؤساء وكالات الاستخبارات الأميركية من أن مستقبل نتنياهو السياسي "في خطر شديد"، كما دعا زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إلى إجراء انتخابات إسرائيلية جديدة، الأمر الذي أثار غضب نتنياهو.
  • وقبل يومين، أعلنت كندا أنها ستوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، بعد يوم من موافقة البرلمان على اقتراح غير ملزم بشأن هذه القضية كجزء من تصويت أكبر يدعو المجتمع الدولي إلى العمل نحو حل الدولتين لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
  • إلى جانب ذلك، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن بريطانيا وضعت شروطا لاستمرار إمدادات الأسلحة إلى تل أبيب، من بينها تسليم معلومات عن وضع المحتجزين من غزة وإتاحة زيارة الصليب الأحمر لهم.
  • كما أظهرت زيارة عضو مجلس الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس إلى الولايات المتحدة، رغم عدم حصوله على موافقة نتنياهو على تلك الرحلة التي شملت كذلك المملكة المتحدة، حجم الخلاف الذي وصلت إليه العلاقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

مسؤولية نتنياهو

في تقدير المحلل السياسي والمستشار الاستراتيجي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، فإن التحول الأمريكي والأوروبي تجاه الموقف من حرب غزة ودعم نتنياهو يرتبط بالأساس بحقيقة أن إسرائيل لا تقدم منظورا للحرب مستقبلًا.

وأضاف "روفينيتي" في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "لعدة أسابيع، كانت الولايات المتحدة تطلب من نتنياهو التفكير في استراتيجية تتجاوز هذه المرحلة من الحرب، لكن نتنياهو لا يستجيب لتلك الطلبات".

وقال إن استمرار الحرب أدى إلى أزمة إنسانية هائلة، لا يمكن تحملها لأي شخص، سواء لأولئك الذين يعيشون في غزة في ظروف قاسية الآن، أو لأولئك الذين قدموا دائما الدعم الدبلوماسي لإسرائيل.

وشدد على أنه "يجب على نتنياهو الآن تحمل المسؤولية، حتى فيما يتعلق بمستقبله (السياسي)".

عبء على الغرب

من برلين، يعتقد منسق العلاقات الألمانية العربية في البرلمان الألماني، وخبير العلاقات الدولية، عبد المسيح الشامي، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن حرب غزة تحولت بشكل أو آخر إلى عبء كبير على الحكومات الغربية التي بادرت من البداية لدعم إسرائيل في حربها، وكذلك نتنياهو في رئاسته للحكومة، تحت شعار حماية حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حماس.

وأوضح "الشامي" أنه على الرغم من إطالة أمد الحرب وسقوط الكثير من الضحايا المدنيين، والضغوط الداخلية في تل أبيب والعواصم الغربية، لا يزال نتنياهو يصر على تنفيذ عملية برية في رفح، والتي من شأنها أن تؤدي لكارثة إنسانية أكبر "ولن يتحمل الموقف الغربي مسؤولية مثل هذه الحرب وهذا الحجم من العمليات".

وأضاف: "الغرب لديه علاقات جيدة مع إسرائيل وسيستمرون في دعمها، لكنهم في ذات الوقت لن يتحملوا عبء الاستمرار في الحرب مع الضغوط على كل المستويات التي انتقلت من المستوى الشعبي إلى مستوى النخبة السياسية والثقافية، ثم لمستوى المؤسسات ومراكز صُنع القرار، حيث باتوا يضغطون لاتخاذ مزيد من الإجراءات لوقف الحرب".

وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن المواقف الأوروبية مرتبطة بضرورة الحفاظ على حقوق الإنسان، كما يرتبط الموقف الأمريكي باقتراب الانتخابات الرئاسية التي يواجه فيها بايدن ضغوطا حتى داخل أركان حزبه للضغط على نتنياهو وحكومته، وبالتالي لن يستطيع مساندته أكثر من ذلك.

وتابع: "أعتقد أن نتنياهو أصبح شخصية مرفوضة على الصعيد الداخلي والخارجي، وبات التخلص منه وعناصر حكومته المتشددة ضرورة للدول الغربية ولسلامة إسرائيل نفسها".

وهذا ما ذهب إليه مدير مركز التحليل العسكري والسياسي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، والذي توقع الإطاحة بنتنياهو بعد فترة وجيزة من انتهاء حرب غزة.

وقال "وايتز" إن "الضغط الخارجي على نتنياهو قد يؤدي إلى نتائج عكسية وحشد الدعم خلفه داخلياً، على الرغم من توقعي إقالته بعد فترة من الحرب"، معتبرَا أن موقف جميع الحكومات الغربية بات متشددا تجاه ما يحدث "على الرغم من كون بعضها أكثر تشددا من الآخر".

خلاف على الأدوات

من جانبه، يرى الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حالياً "حول الأدوات وليس بشأن الأهداف"، إذ هناك اتفاق كامل بين واشنطن وتل أبيب هدف القضاء على القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، لكن مع أدوات مختلفة عن رغبة نتنياهو في تنفيذ عملية رفح.

وقال سمير إن "هناك خلافًا في الأدوات المستخدمة لتحقيق هذا الهدف، فالولايات المتحدة ترغب في تحقيقه عبر أدوات ناعمة مثل الجهود الدبلوماسية وإدخال المساعدات وحماية المدنيين، كما يكمن الخلاف الآخر مع العناصر المتشددة بحكومة نتنياهو خاصة مع وجود الوزيرين بن غفير وسموتريتش، حيث تنظر واشنطن لذلك على أنه ضرر بإسرائيل ومستقبلها وقبولها في الشرق الأوسط".

وأشار إلى أن من مظاهر تحول الدعم الأميركي عن نتنياهو استقبال غانتس بحفاوة في واشنطن على الرغم من امتعاض نتنياهو من تلك الزيارة.

الأمر الآخر المتعلق بالتحول في الرأي العام الأمريكي هو ما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ففي السابق كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها لا تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن ذلك لم يعد موجودا مع رغبة واشنطن ولندن في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إما بالاعتراف المباشر أو من خلال قرار يصدر من مجلس الأمن بهذا الصدد.

وأكمل قائلًا: "ضغوط الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وتحديداً في الجناح الليبرالي بالحزب الديمقراطي لعبت دورًا في هذا التحول، حيث رأينا زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر ينتقد نتنياهو بشكل مباشر، وبالتالي ننتظر مزيدا من التحولات في الفترة المقبلة".

أخبار ذات صلة

إصابة 7 جنود إسرائيليين بهجوم قرب رام الله
الجيش الإسرائيلي: "صورة الإرهابيين" الموقوفين "غير دقيقة"

كيف تنظر تل أبيب لذلك؟

في المقابل، يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، أن "الشعور العام الذي يساور المجتمع الإسرائيلي مع قرب دخول الحرب شهرها السادس، أن المجتمع الدولي نسي أفعال حماس في السابع من أكتوبر، وأخذ يلقي اللوم على تل أبيب".

ويعتبر "غانور" في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الموجة الدولية الراهنة فيما يخص التعامل مع موقف إسرائيل من الحرب، تواجه بجهود توحيد الصف الإسرائيلي على الرغم من الشكوك والتداعيات السلبية مستقبلًا".

ومضى "غانور" قائلًا إن "قاصرين النظر، خاصة من مؤيدي اليمين المتشدد في الائتلاف الحكومي الحالي يعلقون الآمال على القوة الذاتية بإنقاذ إسرائيل والخروج من الأزمة الراهنة، في حين ترى الأوساط الليبرالية والواقعية خطورة الوضع وتدعو إلى تنسيق المواقف مع واشنطن التي تعد السد المنيع أمام المحاولات الراهنة في أوروبا والمؤسسات الأممية".

بيد أن نتنياهو وحكومته لا يزالون متمسكين باستكمال مسيرتهم الحالية من منطلق الاعتماد على الذات وعدم التوقف لتقييم الأمور وإعادة الحسابات، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.

وبشأن المخرج من هذه الأزمة، أوضح "غانور" أن "اشتداد الإجراءات الدولية وازدياد شعور العزلة ستنضم إلى قائمة المواضيع التي يرددها المتظاهرون بإجراء انتخابات مبكرة وتنحي الحكومة الحالية، بيد أن استطلاعات الرأي العام الأسبوعية لا تبشر خيرًا بتغيير الوضع أو الخروج من الأزمة".