قلبت تشريعيات 12 يونيو في الجزائر، موازين القوى بشكل واضح جدا لصالح السلطة والرئيس عبد المجيد تبون تحديداً.

وتسير الأمور وفق خارطة الطريق السياسية التي طرحها في برنامجه الانتخابي عام 2019، مع تراجع ملحوظ لصورة وسمعة دعاة المرحلة الانتقالية.

رهان خاسر على تهيئة الشارع

وقد دخلت العديد من الأصوات التي كانت تنادي بضرورة أن تتوجه البلاد إلى مرحلة انتقالية، في حالة من الصمت، واختفت من المشهد خلال الأسابيع الماضية أصوات أبرز المعارضين، بينما تتقدم السلطة بسرعة نحو صندوق الاقتراع.

وتتباهي السلطة بعدد القوائم التي تقدمت للترشح وهي تضم كل الأحزاب السياسية عدا 3 أحزاب قررت المعارضة، كما أن تشريعيات 2021 تعرف إقبالا كبيرا للقوائم الحرة وهي سابقة في تاريخ الجزائر.

ويجمع المتابعون على أن دعاة المرحلة الانتقالية فشلوا في تجاوز خطاب الحماس الجماعي، الذي لم يتجاوز عتبة الرفض لكل السياقات السياسية للسلطة، وعجزت في بناء أي توافق سياسي مع السلطة، لمواصلة العملية السياسية ضمن مسار واقعي مقبول.

نشيد الجزائر كُتب في السجن ويتوعد فرنسا

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، محمد خوجة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن رهان المعارضة على سياسة تعبئة الاحتجاج في الشوارع، قد وصل إلى حدودها، دون تحقيق نتائج مما خلق حالة من الإحباط لدى العديد من دعاة المرحلة الانتقالية.

وأكد الباحث في علوم السياسية أن السلطة استطاعت إدارة مرحلة ما بعد انطلاقة الحراك برؤية واضحة المعالم، وتتجه لاحتواء تداعيات انهيار الثقة وتصاعد نقمة المجتمع ضد السلطة، والمناورة بعنصر الوقت، لاستنزاف خطاب المرحلة الانتقالية.

وبالتمعن في المشهد، نلحظ أن السلطة لديها ورقة طريق واضحة وعملية، تجاوبت معها مختلف القوى السياسية، وتنظيمات اجتماعية كثيرة، وتم ذلك على ثلاثة مراحل هي الانتخابات الرئاسية ثم الاستفتاء على الدستور وأخيرا الانتخابات التشريعية.

أخبار ذات صلة

انتخابات الجزائر.. مرشحو الأحزاب يؤكدون على انتقاء الكفاءات
انتخابات الجزائر.. المترشحون يتنافسون على خطب ود الحراك
الجزائر.. "لقمة العيش" محور الحملات للانتخابات التشريعية
تبون: لا أفكر بولاية ثانية والجيش لا يمارس السياسة

الانتقالية تجارب مريرة

ووجهت السلطة عدة دعوات للحوار استجابت لها العديد من الأحزاب، قبل أن تضع السلطة الأمنية قبضتها على ما مسيرات الجمعة بعد اختراقها من طرف العديد من المنظمات التي صنفها المجلس الأعلى للأمن في خانة المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها حركتي "رشاد" و"الماك" الانفصالية.

وقد لاحظ المراقبون تراجع أعداد المحتجين في الشارع بشكل كبير جدا خاصة في الجزائر العاصمة، قبل أن تتوقف المسيرات بشكل كامل في العاصمة بتاريخ 28 مايو 2021.

وبعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في أبريل 2019، ساد الخوف قلوب العديد من الجزائريين من الذهاب إلى خيار المرحلة الانتقالية، حيث لم تشكل تلك الخطوة الإجماع بين الأطياف السياسية وحتى وسط أبناء الشعب في الحراك وذلك بالنظر للتجربة المريرة التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بسبب خيار التوجه إلى مرحلة انتقالية.

في هذا الإطار، يؤكد الوزير السابق محي الدين عميمور أن دعاة المرحلة الانتقالية لا يكلون ولا يملون منذ استقلال الجزائر عام 1962 في التسويق لنفس الخطاب.

وقال عميمور لموقع "سكاي نيوز عربية": "هم خبراء في التراجع التكتيكي لان القضية أيديولوجية في المقام الأول، وهي قضية الانتماء الحضاري العربي الإسلامي، وقد يخسرون مائة معركة ولكنهم يواصلون فالقوى الكبرى لا تكل ولا تمل".

ويرى الملاحظ السياسي الجزائري حسان موالي أن المرحلة الانتقالية لم تعد تملك إقبالا من طرف الشعب، وهو خيار تجاوزه الزمن.

وقال موالي لموقع "سكاي نيوز عربية": "تدخل الجزائر اليوم السنة الثالثة بعد حراك 22 فبراير 2019 وكل المؤشرات تؤكد انتصار السلطة التي فرضت خارطة الطريق التي تراها الأنسب للمرحلة الحالية وقد استفادت من عدة عوامل داخلية وخارجية".

في مقابل ذلك يستمر راهن ثلاثة أحزاب سياسية معارضة على خيار مقاطعة التشريعيات وهي "جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"حزب العمال"، وهي الأحزاب التي انخرطت تحت سقط ما أطلق عليه مشروع "البديل الديموقراطي" الذي روج لفكرة الدخول في مرحلة انتقالية لتقاسم السلطة وإقرار مسار تأسيسي جديد.

من جهته، اعتبر القيادي في حزب الجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، مراد بياتور أن المشهد الانتخابي غير ديموقراطي، ووصف الذين يذهبون إلى الانتخابات بـ"الانتهازيون وزبانية النظام القديم".

وقال بياتور لموقع "سكاي نيوز عربية": "الحل في انتقال ديموقراطي يعيد بناء المؤسسات من خلال مرحلة انتقالية تسمع لصوت الشعب".

تصريحات مثيرة للجدل في الحملات الانتخابية في الجزائر

 انطلاقة خاطئة للجزائر

وتساءل الناشط السياسي المعارض: "هل الانتخابات التشريعية حل للأزمة؟" وأجاب: "هي تعقيد آخر للأزمة وانطلاقة خاطئة للجزائر".

وأكد رفض حزبه لخارطة طريق السلطة، معتبرا ما يحدث مجرد سيطرة ظرفية للنظام على وضع استثنائي.

وشدد مراد على ضرورة الذهاب إلى مرحلة انتقالية وقال: "لا يمكن الحديث عن الديموقراطية عن طريق التوجه لصندوق الاقتراع في هذا المناخ الذي يسوده استمرار الممارسات القديمة، والجزائر بحاجة إلى حوار شامل دون إقصاء والمرحلة الانتقالية هي الحل".

ومن هي المعارضة الحقيقية؟

ويدافع قادة الأحزاب التي تقدمت للتشريعيات على خيار الصندوق، ووصفوا دعاة المرحلة الانتقالية بالخسرين في معركتهم أمام الشعب وليس أمام السلطة.

وأكد رئيس حزب عبد العزيز بلعيد أن الديموقراطية تقتضي ألا يستخدم أحد العنف الجسدي واللفظي تجاه الذين قرروا الذهاب لخيار الصندوق لحل الأزمة.

وقال بالعيد خلال تجمع انتخابي: لا يمكن بأي حال من الأحوال وباسم الديموقراطية أن يتم استخدام العنف ضد من اختاروا التوجه للصندوق".

ويتوقع الخبراء أن تفرز الانتخابات التشريعية القادمة الوزن المؤثر للمعارضة في العملية السياسية في الجزائر، والتي ستظهر بنية وحجم القوى السياسية الجديدة، وسيكون للعبة التحالفات دور بارزا في تشكيل الحكومة القادمة، وفي تحديد البرامج والقضايا المرتبطة بالإصلاح والتنمية.

ومن المتوقع أيضا تراجع قوي لخطاب الرفض للانتخابات المحلية، والتي سيكون الفرصة المتبقية للقوى السياسية التي راهنت على المرحلة الانتقالية، لدخول العملية السياسية، في المجالس الشعبية البلدية والولائية ومنها إلى مجلس الأمة.