تتقدم أوراكل بخطوات واسعة نحو المستقبل، مستفيدة من تحوّلها الاستراتيجي في قطاع التكنولوجيا السحابية والذكاء الاصطناعي.  وتعيد تحركات الشركة الأخيرة رسم ملامح السوق، وتجذب اهتمام المحللين والمستثمرين على حد سواء.

تستثمر أوراكل بكثافة في البنية التحتية السحابية، وتبني شراكات استراتيجية مع رواد الذكاء الاصطناعي، ما يعكس طموحها في أن تصبح لاعباً مركزياً في الاقتصاد الرقمي الجديد.

ومن ثم، تخلق الشركة موجة من الاهتمام في وول ستريت، حيث يتابع المستثمرون كل تحرك لها عن كثب، مع التركيز على قدرتها على الدمج بين خبرتها في البرمجيات التقليدية والحلول السحابية المتقدمة.

أخبار ذات صلة

النجوم الجديدة للاقتصاد الأوروبي تشرق من الجنوب
أوراكل وOpenAI توقعان صفقة سحابية تاريخية بـ300 مليار دولار

قال جون ديفوتشي من "غوغنهايم سيكيوريتيز" إنه كان "مندهشًا للغاية"، بينما وصف ديريك وود من "تي دي كوين" النتائج بأنها "ربع استثنائي"، أما براد زيلنيك من "دويتشه بنك" فقال: "نحن جميعًا في حالة صدمة، ولكن بطريقة إيجابية للغاية".. كانت هذه بعض التعليقات على التوقعات التي تتبناها شركة أوراكل للمرحلة المقبلة، وفق ما نقله تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.

ورغم أن الشركة أعلنت عن نتائج دون التوقعات من حيث الأرباح والإيرادات، إلا أن ذلك لم يكن موضع اهتمام، ذلك أن ما ركزت عليه وول ستريت هو أرقام أوراكل المستقبلية ومسار النمو الضخم الذي تتوقعه الشركة بفضل طفرتها في مجال البنية التحتية السحابية وسلسلة من صفقات الذكاء الاصطناعي الجديدة.

عادةً ما يغدق المحللون عبارات الإشادة على الشركات في مكالمات الأرباح حينما تتفوق النتائج على التوقعات أو تكون التوقعات المستقبلية مذهلة، وقد اعتاد التنفيذيون سماع التهاني على "ربع مالي ممتاز". لكن مكالمة أوراكل الأخيرة كانت مختلفة، وكان المستثمرون يعرفون السبب.

  • يرجع الحماس في معظمه إلى قطاع البنية التحتية السحابية، حيث تنافس أوراكل كلاً من أمازون ومايكروسوفت وغوغل.
  • أشارت الشركة إلى أن إيرادات هذا القطاع ستقفز خلال السنة المالية الحالية بنسبة 77 بالمئ لتصل إلى 18 مليار دولار مقارنة بـ 10 مليارات دولار في العام الماضي.
  • وبحلول السنة المالية 2027، يُتوقع أن يقفز الرقم إلى نحو 32 مليار دولار، قبل أن يصل إلى 73 ملياراً، ثم 114 ملياراً، وأخيراً 144 مليار دولار في الأعوام الثلاثة التالية.

وقد أبهرت التوجيهات المالية العديد من المحللين لدرجة أنهم رفعوا تقديراتهم للسهم، فيما قام بنك أوف أميركا بترقية تصنيف أوراكل إلى "شراء"، متوقعة صعوداً بأكثر من 50 بالمئة.

أخبار ذات صلة

2025.. عام استثنائي يغير قواعد الاستثمار ويرفع كل الأصول معا
كيف يغير الانخفاض "التاريخي" في الهجرة سوق العمل الأميركية؟

ووصف المحلل غيل لوريا من "دي إيه ديفيدسون" توقعات إيرادات أوراكل السحابية بأنها "مدهشة إلى أبعد الحدود"، مشيراً إلى أنها تمثل نمواً يعادل عشرة أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة.

لكن لوريا قدّم أيضًا ملاحظة تحذيرية، موضحًا أن شركات الحوسبة السحابية العملاقة مثل مايكروسوفت وغوغل تبنّت استراتيجية تقوم على "تفريغ جزء من طاقتها التشغيلية لصالح مزودي مراكز بيانات آخرين". وهذا ما يدفع بعض الشركات لاستخدام خدمات أوراكل.

وأضاف: "هؤلاء ليسوا عملاء أصليين لأوراكل، بل هم عملاء مايكروسوفت وغوغل وأمازون الذين سيستخدمون سعة أوراكل، ولذلك أوصى المستثمرين بـ"الاحتفاظ" بالسهم بدلاً من شرائه حالياً.

أسباب الطفرة

من جانبه، يشير استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G\&K عاصم جلال، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن النمو الهائل الذي حققته شركة أوراكل في السنوات الأخيرة يعود بشكل رئيسي إلى توسعها الكبير في قطاع الحوسبة السحابية واستثمارها في البنية التحتية الداعمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إبرامها صفقات ضخمة متعددة السنوات مع كيانات رائدة في المجال، وسط طلب غير مسبوق على خدماتها.

ويضيف جلال أن أوراكل خصصت استثمارات ضخمة لتوسيع مراكز البيانات السحابية، ونجحت في جذب شركات الذكاء الاصطناعي -وفي مقدمتها OpenAI- كرعاة رئيسيين للبنية التحتية الحاسوبية(..).

ويتابع: أوراكل أبرمت صفقات بمليارات الدولارات مع شركات الذكاء الاصطناعي وشركات الإنترنت الكبرى مثل OpenAI وأمازون وغوغل ومايكروسوفت، ما وفر لها تدفقات نقدية وضمانات إيرادات طويلة الأجل. كما يؤكد أن الشركة استطاعت تلبية الطلب المتضخم على قدرات الحوسبة السحابية، رغم أن الطلب على تدريب وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ما زال يفوق العرض بفارق كبير.

ويشير جلال إلى أن تحول أوراكل من نموذج البرمجيات التقليدية إلى نموذج أعمال متكامل يشمل البنية التحتية السحابية وخدمات البرمجيات كخدمة، عزز من ربحيتها وقدرتها التنافسية أمام عمالقة القطاع مثل أمازون ومايكروسوفت. كما يؤكد أن القيادة التنفيذية للشركة، بقيادة لاري إليسون وصفرا كاتس، لعبت دوراً محورياً عبر اتخاذ قرارات جريئة وتحويلية منحت الشركة زخماً كبيراً في سوق سريع النمو.

ويضيف أن القيمة السوقية لأوراكل تضاعفت تقريباً خلال عامين، لتصبح واحدة من أسرع الشركات نمواً ضمن مؤشر ستنادرد آند بورز 500 في 2025، مشيراً إلى أنها كسبت ثقة المحللين والمؤسسات الاستثمارية بفضل عقود طويلة الأجل وبنية قوية للنمو القائم على السحابة والذكاء الاصطناعي.

لاري إليسون

وتجاوز لاري إليسون لفترة وجيزة رئيس شركة تسلا إيلون ماسك يوم الأربعاء ليصبح أغنى رجل في العالم ، مدفوعًا بارتفاع غير مسبوق في سعر سهم شركة أوراكل ، شركة البرمجيات التي شارك في تأسيسها قبل نصف قرن تقريبًا، وذلك بعدما ارتفعت القيمة السوقية لشركة أوراكل بنسبة 36 بالمئة يوم الأربعاء لتصل إلى 922 مليار دولار، معززةً بذلك مكاسبها السابقة التي بلغت 40 بالمئة هذا العام.

أخبار ذات صلة

لاري إليسون يخطف لقب "الأغنى في العالم" لفترة وجيزة من ماسك
"أوراكل" الأميركية تعتزم استثمار ملياري دولار في ألمانيا

وفي يوم واحد، ارتفعت ثروة إليسون الصافية بنحو 88 مليار دولار، قبل أن يختتم اليوم عند 383 مليار دولار، أي أقل بمليار دولار فقط من صافي ثروة ماسك البالغة 384 مليار دولار، وفقًا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.

وكما هو الحال مع العديد من أكبر الشركات العامة في العالم، جاء صعود أوراكل على خلفية أرباح ربع سنوية ضخمة، تضمنت مليارات الدولارات من عقود جديدة متعلقة بالذكاء الاصطناعي.

أسهمت هذه الصفقات في رفع حجوزات أوراكل - التي تُضاف إلى إيراداتها المستقبلية - إلى 455 مليار دولار أميركي في الربع، متجاوزةً بكثير 138 مليار دولار أمريكي التي حجزتها في الربع السابق، وفق تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

وقد أصبحت شركة أوراكل الآن سهمًا ساخنًا، وهو تغيير هائل مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنوات فقط عندما كانت في طريقها إلى مستقبل يشبه مستقبل شركة آي بي إم كشركة عملاقة في مجال التكنولوجيا التقليدية غير الملحوظة.

تحول استراتيجي

وإلى ذلك، يقول خبير أسواق المال والعضو المنتدب لشركة "أي دي تي" للاستشارات والنظم التكنولوجية، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • "النمو الهائل الذي شهدته شركة أوراكل مؤخراً ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تحول استراتيجي عميق وجريء أعاد تشكيل الشركة بالكامل".
  • بعد سنوات من التحفظ تجاه الحوسبة السحابية، قررت أوراكل أن تركب موجة الذكاء الاصطناعي بكل قوة، مركزة جهودها على قطاع البنية التحتية السحابية الذي بات المحرك الأساسي لنجاحها.
  • "هذا التحول تُرجم سريعاً إلى عقود ضخمة مع كبار اللاعبين في الذكاء الاصطناعي عالمياً، مثل OpenAI وميتا وحتى Xai التابعة لإيلون ماسك، التي اعتمدت على بنية أوراكل التحتية لتدريب نماذجها اللغوية المعقدة".
  • كما عززت الشركة موقعها من خلال شراكات استراتيجية مع رواد تصنيع الرقائق مثل إنفيديا لتوفير القدرة الحاسوبية اللازمة.

ويضيف: هذه الصفقات لم تضاعف الإيرادات الحالية فحسب، بل خلقت أيضاً التزامات مستقبلية ضخمة تضمن تدفق الإيرادات لسنوات مقبلة."

ويشير إلى أن "سر جاذبية أوراكل يكمن في قدرتها على الدمج بين خبرتها الطويلة في قواعد البيانات وحلول الذكاء الاصطناعي، ما أتاح لها تقديم حلول فريدة تمكّن العملاء من تشغيل النماذج بشكل آمن وفعال ومباشر على بياناتهم، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية قوية في سوق تهيمن عليه شركات مثل أمازون ومايكروسوفت."

ويلفت إلى أن "هذا الطموح الذي تتبناه الشركة تطلّب استثمارات رأسمالية هائلة؛ حيث ضاعفت أوراكل إنفاقها بشكل غير مسبوق، وتستثمر عشرات المليارات في بناء وتوسيع شبكة مراكز بيانات عالمية مع خطط لإنشاء مئات المراكز الجديدة، حتى باتت أكبر مستأجر لسعة مراكز البيانات في الولايات المتحدة."

يختتم حديثه قائلاً: "انعكست كل هذه العوامل على أداء السهم الذي حقق ارتفاعات قياسية، لتقترب أوراكل من الانضمام إلى نادي الشركات ذات القيمة السوقية التريليونية. لقد أثبتت أنها لم تعد مجرد شركة برمجيات تقليدية، بل تحولت إلى لاعب أساسي ومحوري في اقتصاد الذكاء الاصطناعي الجديد."

الذهب يلمع في ظلمة الأسواق العالمية