اتخذت تعبئة المزارعين الغاضبين مساراً جديداً في مختلف أنحاء فرنسا مع إعلانهم فرض "حصار" على باريس، وسط مخاوف من "أسبوع ينذر بالمخاطر" بين المزارعين وقوات حفظ الأمن.

ومن المقرر أن تنصب أبرز نقابات المزارعين ثمانية "حواجز" على الطرق السريعة الرئيسية من أجل فرض حصار على العاصمة "لأجل غير مسمى".

وللحؤول دون حدوث تجاوزات، أعلنت الحكومة من جانبها تعبئة 15 ألف عنصر من الشرطة. ومساء الأحد، تم نشر قوات إنفاذ القانون وبينها مدرعات للدرك، على أطراف رونجيس، أكبر سوق للمنتجات الطازجة في البلاد، في جنوب باريس، وفق ما لاحظ صحافي في وكالة فرانس برس.

وطلب وزير الداخلية جيرالد دارمانان من الشرطة إظهار "الاعتدال" المطلوب وعدم "التدخل في نقاط الإغلاق" بل "حمايتها". وأوضح أن الرئيس إيمانويل ماكرون أعطى "تعليمات" من أجل "ضمان عدم توجه الجرارات إلى باريس والمدن الكبرى حتى لا تتسبب في صعوبات كبيرة للغاية".

وبعد ظهر الاثنين، اجتمع ماكرون مع عدد من الوزراء في الإليزيه "للنظر في الوضع الزراعي"، قبل أن يجري زيارة دولة إلى السويد يومي الثلاثاء والأربعاء، على أن يحضر اجتماعا استثنائيا للمجلس الأوروبي في بروكسل الخميس.

وسيبحث في بروكسل الخميس مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في إجراءات الدعم التي يطالب بها المزارعون. وسيتناول اللقاء كذلك تجميد الاتفاقية التجارية التي يتفاوض عليها الاتحاد الأوروبي مع تكتل "ميركوسور" الذي يضم أبرز القوى التجارية في أميركا اللاتينية، بالإضافة إلى دخول المنتجات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي، وفق الرئاسة الفرنسية.

أخبار ذات صلة

الحكومة البريطانية تعلن سياستها الزراعية بعد بريكست
الطقس الجاف وقيود التصدير يهددان إمدادات الغذاء في 2024

ودُعي رؤساء النقابة الكبيرة للمزارعين FNSEA ونقابة "المزارعين الشباب" اللتين أعلنتا فرض "حصار" على باريس، إلى لقاء رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال مساء الاثنين، فيما أعلنت الحكومة أنها ستتبع "إجراءات جديدة اعتبارًا من" الثلاثاء.

وظهر غضب المزارعين لأول مرة في ديسمبر ويناير في ألمانيا، مع إغلاق الطرق السريعة ومسيرات الجرارات، قبل أن ينتقل إلى نظرائهم في فرنسا ورومانيا وبولندا وحتى بلجيكا.

في حين تسببت عشرات الجرارات في تباطؤ حركة السير الأحد على طريق سريع في جنوب بلجيكا، أغلق المزارعون في ألمانيا الاثنين العديد من الموانئ، بينها ميناء هامبورغ وهو الأكبر في البلاد، إلا أن حصار باريس تردد صداه باعتباره علامة فارقة جديدة للتعبئة في أوروبا.

وأدت الأحداث المناخية القاسية وأنفلونزا الطيور وارتفاع أسعار الوقود وتدفق المنتجات الأوكرانية المعفاة من الرسوم الجمركية، إلى تنامي السخط بين المزارعين.

أخبار ذات صلة

مزارعو فرنسا يترقبون إجراءات حكومية مع استعدادهم لاحتجاجات
أزمة البحر الأحمر تهدد صادرات الحبوب الأوكرانية

"أسبوع ينذر بالمخاطر" 

ساهمت السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة الجديدة التي عززت الأهداف البيئية الملزمة منذ عام 2023، وقانون "الميثاق الأخضر" الأوروبي - وإن لم يدخل حيز التنفيذ بعد - بشكل خاص في اثارة الغضب.

وإذ كانت فرنسا المستفيد الأول من الإعانات الزراعية الأوروبية التي تجاوزت قيمتها تسعة مليارات يورو سنويا، إلا أن مزارعيها نددوا بالسياسة الزراعية المشتركة، معتبرين بأنها منفصلة عن الواقع.

أشار تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي صدر في سبتمبر 2022 إلى أن "فرنسا واحدة من الدول الزراعية الكبرى التي تتراجع حصصها في السوق". وانتقلت، خلال عشرين عاما، من المركز الثاني عالمياً إلى السادس من حيث الصادرات، واحتلت المركز الثالث في أوروبا خلف هولندا وألمانيا.

وأضافت هذه الدراسة أن "الواردات الغذائية إلى فرنسا ارتفعت بشكل حاد: فقد تضاعفت منذ عام 2000 وتمثل أحياناً أكثر من نصف المواد التي تستهلكها بعض العائلات في فرنسا".

أخبار ذات صلة

الجفاف يجبر فرنسا على توديع جبنة عمرها 2000 سنة
تظاهرات المزارعين تجتاح دولاً أوروبية.. ما الأسباب؟

ويندد المزارعون الأوروبيون بالمنافسة غير العادلة مع المنتجات المستوردة التي لا تخضع للمعايير نفسها.

كما تراجع عدد المزارع في فرنسا خلال 50 عامًا من 1,5 مليون في العام 1970 إلى أقل من 400 ألفًا الآن.

والأحد، تعهد رئيس الحكومة غابريال أتال بـ"التحرك بسرعة" استجابة لغضب المزارعين، بعد أن كان قد وافق الجمعة على أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين بإلغاء الزيادة الضريبية على الديزل الزراعي وتيسير الإجراءات الإدارية إضافة إلى تدابير أخرى لحماية المزارعين.

إلا أن هذه الاجراءات لم تكن كافية بالنسبة للمحتجين.

وحذر الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات المزارعين أرنو روسو من أن المرحلة القادمة تحمل في طياتها "أسبوعاً ينذر بالمخاطر، إما لأن الحكومة لا تنصت إلينا أو لأن الغضب سيصل إلى مستوى يدفع الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم".

ويمثل الحراك الحالي ثالث أزمة كبرى تواجه الحكومة منذ بداية الولاية الثانية لإيمانويل ماكرون ومدتها خمس سنوات، بعد إصلاح نظام التقاعد الذي أثار تظاهرات شعبية حاشدة في جميع أنحاء البلاد في عام 2023، واعتماد قانون الهجرة المثير للجدل في ديسمبر.