في ظل نقص إمدادات سلاسل الغذاء كإحدى تداعيات الحرب بأوكرانيا ودخول العالم في موجة جديدة من التضخم، تواجه عدة دول عربية صعوبات في تأمين الأمن الغذائي لشعوبها في وقت يعاني الاقتصاد العالمي من تأثيرات كارثية لجائحة كورونا.

وهو ما أكدته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، في أحدث تقرير لها، معلنة ارتفاع المعيار القياسي لأسعار الأغذية العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، لافتة إلى أن أسعار الغذاء بلغت أعلى مستوياتها منذ بدء تسجيلها قبل 60 عاما، بحسب المؤشر الذي قفز قرابة 13 % في مارس، بعد ارتفاع إلى مستوى غير مسبوق في فبراير.

يأتي ذلك بعد شهور قليلة من تحذير المنظمة من أن آثار جائحة كوفيد - 19 في الأمن الغذائي العالمي ستكون طويلة الأمد، داعية إلى تغييرات جذرية في أنظمة الأغذية الزراعية في المنطقة العربية لتوفير الأمن الغذائي والتغذية للجميع حيث يستمر الجوع في العالم العربي بالارتفاع، مع زيادة بنسبة 91.1 % منذ عام 2000.

ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية في السوق الدولية يربك حسابات الحكومات العربية، فهي أكبر مستوردي الغذاء في العالم، وتعاني من ارتفاع فاتورة استيراد الأغذية من الخارج بالعملة الصعبة من سنة إلى أخرى، حيث وصلت قيمة فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية نحو 100 مليار دولار سنوياً، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية في مايو 2020.

وتستورد الدول العربية نحو 63.5% من احتياجاتها من القمح، و75% من الذرة وهو المكون الأكبر للأعلاف اللازمة لإنتاج اللحوم الحمراء والدواجن، و55% من الأرز، و65% من السكر، و55% من الزيوت النباتية، وذلك بحسب تقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي، الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية.

مؤشر الأمن الغذائي

ووفقًا لأحدث بيانات مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021، التابع لـ "إيكونوميست إمباكت" تصدرت دول قطر والكويت الإمارات أعلى درجة على مؤشر الأمن الغذائي عربيا، فيما تذيلت دول سوريا والسودان واليمن جدل الترتيب.

وحلت عمان في المركز الرابع ثم البحرين والسعودية والأردن والجزائر وتونس والمغرب ثم مصر في المركز الـ11.

أخبار ذات صلة

الكويت.. دراسة "قرار مهم" لتهدئة غلاء الأسعار
غذاء العالم على المحك.. تداعيات حرب أوكرانيا تنذر بشبح الجوع

ويأخذ مؤشر 2021 GFSI بعين الاعتبار قضايا القدرة على تحمل خلال عدة مقاييس، وهي تكلفة الغذاء، وتوافره، وجودته وسلامته، والموارد الطبيعية والقدرة على الصمود في 113 دولة.

وبحسب تقرير "حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021" الذي صدر عن "الفاو" ومنظمات أممية أخرى، وتمّت مناقشته في قمة غلاسكو للمناخ، فإن الدوافع الرئيسية لتراجع الأمن الغذائي وسوء التغذية حول العالم تعود إلى ضعف الكفاءة في مراحل الإنتاج والتصنيع والتخزين والتوزيع، والنزاعات، والتقلبات والأحوال المناخية القصوى، وحالات التباطؤ والانكماش الاقتصادي.

اليمن وسوريا والسودان

ويحدد التقرير 10 أزمات غذائية هي الأسوأ عالمياً من حيث عدد الأشخاص، كان من بينها 6 أزمات في بلدان أفريقية (الكونغو الديمقراطية، والسودان، وشمال نيجيريا، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وزيمبابوي)، واثنتان في الشرق الأوسط (سوريا واليمن)، وواحدة في الأميركيتين (هاييتي)، وأخرى في جنوب آسيا (أفغانستان).

وللعام الثالث على التوالي، كان أكبر عدد من السكان الجياع في 3 بلدان متأثرة بالصراعات، هي الكونغو الديمقراطية (21.8 مليون) واليمن (13.5 مليون) وأفغانستان (13.2 مليون). وتشكل هذه البلدان، بالإضافة إلى سوريا (12.4 مليون) والسودان (9.6 مليون)، ما يزيد على 45 % من مجموع السكان المصنفين عالمياً في مرحلة الأزمة الغذائية أو المراحل الأسوأ.

من يؤمن احتياجات العرب؟

وبحسب الغرفة التجارية العربية البرازيلية، فقد استحوذت البرازيل عام 2020 على حوالي 8.15% من إجمالي منتجات الأعمال التجارية الزراعية التي استوردتها نحو 22 دولة عربية، وذلك مقابل 8.25% لصالح الهند من هذه التجارة، لتتخطى الهند البرازيل لأول مرة في إمداد العالم العربي باحتياجاته من المواد الغذائية الأساسية.

وتستورد الدول العربية مجتمعة 60 % من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى فرنسا ورومانيا، لكن لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في توريد العالم العربي بالحبوب؛ نظرا لسعرها المنخفض في البلدين.

كورونا ثم حرب أوكرانيا

الأكاديمي العراقي، هاشم عبد الكريم، قال إن من الأسباب التي وضعت العديد من الدول العربية في مأزق ارتفاع أسعار الغذاء في السوق الدولية والانصراف عن الاستثمار في قطاع الزراعة الحيوي، وإهمال دعم المزارعين والإنفاق على البحوث الزراعية.

وأضاف عبد الكريم لموقع اقتصاد سكاي أن النتيجة كانت اتساع الفجوة الغذائية في الدول العربية وزيادة استيراد الغذاء ومنتجاته من الخارج، لافتا إلى أن ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث الزراعية لا يزيد على 1% من قيمة الإنتاج الزراعي.

وأكد على ضرورة أن تشكل الأزمة الحالية حافزا لتطوير شراكة استراتيجية زراعية بين الدول العربية وبعضها وأن نستفيد من الدرس في تأمين احتياجاتنا الغذائية وعدم اعتبارها مشكلة وقتية سرعان ما سترجع الأمور إلى طبيعتها.

واعتبر أن وضع خطط استراتيجية يساعد الدول على تخطي الأزمات كما في دولة الإمارات حيث هناك قانون "المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية" الذي يعد خطوة ذات بعد استراتيجي، لتعزيز منظومة الأمن الغذائي من الناحية التشريعية ووضع الإجراءات القانونية لرفع الاكتفاء من احتياطي السلع الغذائية الرئيسية في مختلف الظروف، بما فيها حالات الأزمات والطوارئ والكوارث وغيرها.

بدوره، قال آميد شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز "تحليلات دول الخليج" (مقره واشنطن)، إن الأمن الغذائي هو الوصول إلى غذاء صحي وكاف طوال الحياة، وتتحمل الحكومات مسؤولية ضمان الأمن الغذائي.

وأضاف شكري لموقع “اقتصاد سكاي" أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية يمكن أن يكون له آثار مدمرة على إنتاج الغذاء، ووفقًا لفريق أبحاث تغير المناخ التابع للأمم المتحدة (IPCC)، فإن ما يقرب من ثلث المزارع في العالم ستكون غير صالحة لإنتاج الغذاء بحلول نهاية هذا القرن إذا لم يتم احتواء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وتابع: "لقد تباطأ الإنتاج الغذائي العالمي مقارنة بالماضي، وأدى تغير المناخ الآن إلى توقف نمو الإنتاج بنحو 21 % على مدى العقود الستة الماضية. إن الفيضانات ودرجات الحرارة المرتفعة وسوء جودة التربة وزيادة الجراد وتناقص الملقحات ستدمر احتياطيات الغذاء".

وأشار إلى أنه "مع الحرب، ارتفعت أسعار القمح حيث يتم توفير حوالي ثلث القمح في العالم من قبل روسيا وأوكرانيا، ونظرًا لأن المزارعين في أوكرانيا غير قادرين على زراعة محاصيلهم، فقد يحدث نقص في القمح في المستقبل، وكذلك الذرة وهي غذاء أساسي آخر يزرع بشكل شائع في أوكرانيا وروسيا، باعتبارهما رابع وخامس أكبر مصدرين للذرة، يمثل هذان البلدان معًا حوالي خمس إجمالي الصادرات من هذا المنتج".

كما أن للذرة العديد من الاستخدامات ويمكن أن يؤثر نقص الغذاء على إنتاج اللحوم. يتم استخدامه كعلف للحيوانات في أجزاء كثيرة من العالم، وقد يؤدي ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع تكاليف اللحوم.

وأكد على أن " الدول العربية يتم تلبية حوالي 80 % من احتياجاتها الغذائية من الخارج، ما يمثل تحديًا كبيرا، خاصة إذا لم يتم اتخاذ تدابير شاملة لمعالجة نقص الغذاء في هذه البلدان".

ولفت إلى أن "دول الخليج العربية، بالإضافة إلى عدم وجود موارد كافية لتوفير الغذاء، تواجه تحدي إهدار الغذاء، وتقدر قيمة كمية الطعام التي تهدر في الدول العربية في عام بحوالي 60 مليار دولار. يعتقد خبراء من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن خفض هدر الطعام بنسبة 50٪ يمكن أن يزيد دخل الأسرة في العالم العربي بنحو 20 مليار دولار".