ألف السوريون العتمة التي سادت أحيائهم وشوارعهم، وحتى منازلهم، طوال سنوات نتيجة لظاهرة انقطاع التيار الكهربائي الآخذة بالتزايد، حتى وصلت إلى العشرين ساعة يوميا في بعض المناطق.

وإن أجبرت فطرة التأقلم لدى الإنسان، السوريين على ابتكار أساليبهم الخاصة لمحاربة الظلام، إلا أن أزمة الانقطاع هذه ألقت بظلالها على معيشتهم اليومية بثقل كبير، لتغدو أحد أسباب الارتفاع الجنوني للأسعار، نتيجة لانخفاض الإنتاج وتوقف الورش والمنشآت الصناعية عن العمل، ولم يسلم القطاع الزراعي أيضاً من تبعاتها، خاصة مع فقدان المحروقات المرافق لغياب الكهرباء، ما حرم المزارعين من أدوات الري الأساسية.

في الحقيقة فإن أزمة الكهرباء في سوريا ليست جديدة، ولكنها لم تكن يوماً كارثية كما باتت في عهد الحرب، التي أدت إلى خروج مصارد النفط من سلطة الحكومة السورية وتدمير جزءاً آخر، الأمر الذي أدى إلى تراجع نشاط مجموعات توليد الطاقة الكهربائية، في ظل شح مواد كالغاز والفيول المذي يستعمل في عملية الإنتاج من جهة، والتآكل في بنية تلك المجموعات والحاجة إلى صيانة عدد كبير منها أو استبدالها من جهة أخرى، في عملية تبدو ميزانية البلاد عاجزة عن الخوض فيها في المستقبل القريب.

هذا العجز ترافق مع تجاهل حكومات الأزمة المتعاقبة لمعالجة نقص توليد الكهرباء من خلال استغلال موارد محلية أخرى متاحة، لا سيما مصادر الطاقات المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية، والتي أصبحت أقل كلفة إنشائية من  المصادر التقليدية العاملة على الوقود الاحفوري ( الغاز ـ الفيول) عدا عن امتلاك سوريا لاحتياطي كبير من الصخر الزيتي ( السجيل الزيتي).

أخبار ذات صلة

شتاء قارس ينتظر السوريين.. والمعاناة من الطعام إلى الكهرباء
استهدفه داعش.. سوريا تعلن عودة خط غاز بمحطة كهرباء للعمل

 وحسب المعلومات التي حصلت عليها "سكاي نيوز عربية" من مصدر خبير اشترط عدم الكشف عن اسمه فقد "تراجعت كميات توليد الطاقة الكهربائية في سوريا من 8000 ميغاواط تقريباً ما قبل الحرب، لتبلغ اليوم 3000 ميغاواط في أفضل حالاتها". لتتحول الكهرباء إلى أزمة مركّبة من نقص وقود التوليد، إلى غياب الخطط المستقبلية  للاستثمار في طاقة الرياح رغم امتلاك البلاد مواقع صالحة لذلك، ناهيك عن غياب التوجّه للاستثمار في الصخر الزيتي "المتوفر بكميات تكفي لأكثر من 100 عام، حيث يقدر الاحتياطي السوري من الصخر الزيتي بأكثر من 40 مليار طن، وهي قريبة من السطح وتقع في مناطق غير زراعية وغير مأهولة" حسب الاختصاص ذاته، الأمر الذي يوفر ظروف مناسبة لاستثمارها، وتوفير كميات كبيرة من الغاز الذي يتم حرقه لتوليد الكهرباء، وبما يمكن استخدامه في صناعة الحبيبات، أو في قطاعات أخرى أكثر جدوى، وقيمة مضافة  كالتدفئة والنقل والصناعة.

بالإضافة إلى ساعات العتم المنزلية، والتكاليف الباهظة لعمل المنشآت الصناعية والخدمية لتوليد الكهرباء بوسائل بدائية قائمة على مولدات ترهق وقودها جيوب أصحاب النشاط الاقتصادي وزبائنهم، وتسبب تلوثاً سمعياً وبصرياً لسكان جميع المدن السورية دون استثناء، أدى غياب الحلول البديلة من قبل المعنيين بقطاع الكهرباء، إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية من المعادلة الانتاجية، لعدم إمكانية ضخ المياه لري مزروعاته لتزيد من معاناة عشرات آلاف الأسر الزراعية وتهدد الأمن الغذائي لمئات آلاف آخرين من أقرانهم.

أخبار ذات صلة

أزمة كهرباء خانقة في سوريا.. فواتير باهظة وعودة إلى الشموع
سوريا تعلن سبب الانفجار الذي أغرق البلاد في الظلام

 بعد كل ما سبق، ينتظر السوريون حلولا تسهم في التخفيف من بؤس الظلام ووطأة البرد من شتائهم القارس، وحرقة ليالي الصيف الحائلة دون حصولهم على قسط كاف من النوم، وسط عجز وعود الحكومات المتعاقبة عن منحهم بصيص أمل في ظل تصريحات معهودة تركزت بمعظمها على "ضرورة ترشيد الاستهلاك" وتحذيرات من أن "الطلب الزائد على الطاقة" لمقاومة البرد شتاء والحر صيفاً والضرورات المطبخية في ظل فقدان مادة الغاز طوال العام سيؤدي إلى زيادة في ساعات القطع الطويلة أصلاً.