خمس سنوات ليست بالفترة الطويلة في عمر المشاريع، وأهميتها تتزايد فقط مع تزايد أهمية المشروع. وبحكم طبيعة عملي كراوٍ لحكاية المؤسسة عبر الأدوات الاتصالية المختلفة، أجد نفسي أشد رغبة بكتابة خاطرة بهذه المناسبة.

لما أعلن عن فكرة تأسيس سكاي نيوز عربية بشراكة بين شركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي وسكاي نيوز البريطانية، راهن كثيرون على فشلها نظرا لازدحام الفضاء بالقنوات والمصادر الإخبارية، وفِي ظل موت عشرات المشاريع الإعلامية العربية والدولية في مهد أرحامها أو بعد أن مشت أولى خطواتها؛ لأسباب عديدة تعود في معظمها إلى الافتقار للرؤية وانسلاخها عن واقعها وتخليها عن الحد الأدنى للضوابط المهنية لدرجة تدفعها إلى الانغماس في أزمات متلاحقة تسير بها نحو الفشل.

قبل أربع سنوات وقبل انضمامي لفريق عمل المؤسسة كنت من بين المشككين في الجدوى من مشروع إعلامي بهذا الحجم، خصوصا أن أحداثا ضخمة وحراكا جذريا كانا قد غيرا وجه بعض الدول العربية.

وشعرت أن أهم الأحداث في حينها قد مرّ بشكل يصعب على أي مؤسسة إعلامية أن تستقطب أو أن تغير من أنماط الاستهلاك الإعلامي للجمهور الذي اعتاد أن يستقي مصادره وفق إدراك انتقائي ينسجم مع فكره وتوجهاته.

ولكن عندما أبصر الجمهور نور شاشة سكاي نيوز عربية أول مرة في السادس من مايو أدهش كثيرين جودة الصورة ورقي التقنية المستخدمة واعتدال نكهة المحتوى، وبعد أقل من عام على انطلاق سكاي نيوز عربية أظهرت أن انكشاف أجندات وسائل إعلامية كبرى وتشتت الجمهور بين الآراء والمواقف بدلا من الخبر والمعلومة الكاملة، هذا كله أظهرا مدى تعطش الجمهور إلى "أفق جديد"، وهو أول شعار رفعته القناة محددة لنفسها موقعا مختلفا بين المتنافسين وقد نجحت في ذلك في زمن قياسي.

واءمت سكاي نيوز عربية خلال فترة وجيزة بين تقديم الأخبار العاجلة وفقا لمفهوم أقرب إلى "صحافة الحقائق"، وتقديم الرأي والتحليل المتوازن، خلال تقديم الخبر مدعما بالمعلومات والإحصاءات، فلم تكتف على سبيل المثال بتغطية حادث اختفاء الطائرة الماليزية المنكوبة والنقل عن الوكالات والمصادر الميدانية، بل قدمت للجمهور وجبة شاملة شرحت فيها كل ما ارتبط بالحادثة اليوم وتاريخ حوادث الطيران، واستبقت بالتحليل المعمق والاستفادة من الخبراء لنقل أبعاد القضية بشكل جعل بقية وسائل الإعلام تتعامل معها كمصدر عربي فريد للقصة.

وبإلقاء نظرة من الداخل تدرك أن التطوير المستمر هي الفلسفة التي تحكم عمل المؤسسة، لتستحدث فقرات وبرامج في السياسة والرياضة والاقتصاد والفن والثقافة والصحة وعالم السوشيال ميديا، وأكثرها تعمقا وتخصصا في مجالات لم يطرقها أحد في الطاقة والاستثمار وغيرها من ملفات، كما خرجت غرفة الأخبار عن التغطيات المألوفة في التعامل مع الأحداث الدولية كتغطياتها للانتخابات الأميركية الأخيرة التي خصصت لها تطبيقا ذكيا تمكن من تلبية تطلعات المتابع العربي من ناحية المضمون وسهولة الاستخدام.

وبغض النظر عن المنصة المستخدمة، إلا أن الأولوية كانت ومازالت دائما للمحتوى الجيد، وكان ثمن هذه المثابرة قاسيا في بعض الأحيان خصوصا عندما فقدنا الاتصال بزملائنا سمير كساب وإسحاق المختار وعدنان عجاج، الذين جازفوا بحثا عن قصص الواقع لنقل معاناة الناس في سوريا من ويلات الحرب، نسأله تعالى أن يردهم لأحبتهم سالمين.

قدمت سكاي نيوز عربية في تقديري درسا مجانيا لكل القائمين على المؤسسات العربية أكدت فيه أن المنافسة على التأثير قائمة على الإيمان الحقيقي بمفهوم الابتكار ومنح الأولوية للمحتوى الفريد، عبر الاستفادة الأفضل من الموارد وتوفير بيئة عمل مواتية. فعدد الطاقم الكبير لن يفيد إن لم يكن متمكنا ومسلحا بالمعرفة والمهارات والتدريب، والمعرفة وحدها لن تكفي إن لم تستخدم الأدوات والمنصات التي تواكب تطلعات الجمهور -وغالبيتهم من الشباب-، ولا معنى للمعرفة دون بيئة سليمة ومراعاة للقيم الإنسانية في صناعة الخبر والتعامل بين الأفراد.

بحسابات بسيطة وبالنظر إلى نسب التفاعل والانتشار على منصات سكاي نيوز عربية الرقمية وعلى الأرقام التي تقدمها الجهات البحثية المعتمدة، وبتحليلي-بحكم عملي- لرجع صدى التغطيات الإعلامية وتأثيرها أَجِد أنه من الحتمي أن تستعد سكاي نيوز عربية جيدا للسنوات الخمس المقبلة لتحافظ على موقعها الوسيلة الإعلامية الأسرع نموا في المنطقة لتتمكن من تحقيق رؤيتها الهادفة لأن تكون المصدر الإعلامي الموثوق الأكثر تأثيرا والأوسع انتشارا. لها وما لها، وعليها وما عليها، إلا أنها شقت طريقها إلى قناعات الجمهور، وصارت معهم الآن وفي كل مكان.