مثلت الفرق المجوقلة 101 و 82 في الجيش الأميركي نقطة تحول حقيقي في التفكير العسكري العملياتي باعتماد مبدأ الإنزال المظلي خلف خطوط العدو، إما تحضيرا لعملية عسكرية كبرى، أو تحقيقا لأهداف تكتيكية كإرباك خطوط الامداد والاستطلاع، وكذلك إما لتأمين مكونات لوجستية كالجسور أو مخازن حيوية.

فعند دخول الفرقة المجوقلة  101 الخدمة في أغسطس 1942، قال آمر الفرقة الميجر جنرال وليام سي لي حينها: "لا تاريخ سابق لهذه الفرقة، لكنها على موعد مع القدر"، وهذا ما تحقق في العمليات الكبرى من الإنزال في صقلية الى نورماندي.

إلا أن الفرقة 82 تحولت من كتيبة ملحقة إلى فرقة مستقلة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في نوفمبر 1948، ومقرها الدائم قاعدة فورت براغ Fort Bragg .

 وحسب وصف أحد الجنرالات الأميركان إبان عملية درع الصحراء: "إن نشر مكونات من الفرقة 82 يتجاوز التعبير عن النوايا"، أي أنها تأكيد على بدء العمليات العسكرية وهذا ما يقرأ فعليا الآن من نشر عناصر تلك الفرقة من منبج إلى مطار الطبقة في الرقة.

ويتزامن ذلك مع دخول عدد من القواعد الجوية المؤهلة أو القابلة للاستخدام كقواعد عمليات متقدمة قادرة على تأمين الدعم والإسناد الميداني للقوات الامريكية وحلفائها والتي تجاوز الأربعة من الشمال إلى وسط سوريا شرقا.

 يعد الدور المتنامي للفرقة 82 (ستمثل بكتيبتين) في مسرح عمليات سوريا مؤشرا واضحا على دخول القرار السياسي حيز التنفيذ الفعلي في استئصال الارهاب.

فالقيادة الوسطى بقيادة الجنرال فوتيل ذي الخلفية في قيادة قوات النخب الخاصة(SFO) والقادم من قيادة القوات الأميركية العاملة في كوريا الجنوبية، هو الاقدر على إدارة مسرح عمليات عالي السيولة متداخل الأطراف (روسيا، إيران، تركيا، قوات غير نظامية [حزب الله وفصائل عراقية] بالإضافة إلى داعش).

إلا أن الموقف التركي المتأرجح بين إنهاء عملية درع الفرات أو التراجع عن ذلك القرار يعد أحد سمات السياسة التركية من سوريا.

فحتى وجود وزير الخارجية الأميركي تيلرسون في أنقرة لم يسهم في إزالة الالتباسات التركية مع كل ما قدم لها من ضمانات واشتراطات، فالقيادة العسكرية الأميركية لن تقبل بدور تركي في عملية تطهير الرقة .

 تسعى إدارة الرئيس ترامب لوضع أسس "احتواء مزدوج" لإيران وروسيا من خلال فرض الاستقرار لا محاربة الإرهاب فقط، فقد تمثل إعادة السيطرة على الحركة عبر الحدود العراقية السورية بعد تطهير الرقة من داعش أولى خطوات ذلك الاحتواء.

فإعادة العمل بالحدود السياسية سيفرض واقعه الأمني والسياسي بالإضافة لإنتاجه لعناصر ضغط لاحقا على حزب الله في لبنان.

وقد يمثل نشر حزب الله للقمصان السود (فرع الأمن الاجتماعي) في الضاحية إجراء تحوط استباقي تحسباً لتلك التحولات في سوريا ذات التبعات على وضعه السياسي في لبنان، أو قد يكون ذلك بهدف عزل المنطقة أمنيا وتوفير الحماية لمعامل الكابتاغون التي باتت تمثل مصدر تمويل حيوي للحزب.

فشلت روسيا ولأول مرة في الإبقاء على مؤتمر جنيف الأخير معلقا، أو في تخليق حالة ابتزاز جديدة مستخدمة الوضع الإنساني في سوريا، أو حتى بتجييره في خدمة ملفات أخرى كأوكرانيا وليبيا.

فدبلوماسية إبراز القوة (Power Projection) الأميركية ميدانيا يستوجب التعاطي الواقعي في حال تحققت عملية العزل الجغرافي بين سوريا والعراق بعد تطهير الموصل والرقة وإعادة الانتشار في الأنبار بموازاة بادية الشام.

فروسيا تدرك أن الاجندة التركية انتهازية والإيرانية تعتمد الحرب بالوكالة، مما قد يلزم روسيا بنشر المزيد من قواتها ميدانيا، وذلك أمر سيضيف الكثير من التعقيدات للمشهد السياسي العام في الشرق الأوسط.

أصبح مستوى التعاون بين القيادة الوسطى الأميركية والتحالف العربي في مجال العمليات الخاصة غير مسبوق في اليمن، والعملية المشتركة التي نفذت في البيضاء نهاية يناير الماضي لم تكن الأولى، وتزامناً مع ذلك فقد تم الإيعاز للقيادة الأفريقية الامريكية AFRICOM برفع وتيرة عمليات الدعم للشرعية الصومالية وفي استهداف تنظيم الشباب (القاعدة) دعما لجهود الاستقرار في القرن الأفريقي تنفيذا لفلسفة المعركة المتعددة النطاقات Multi Domain Battle.

وقوات التحالف العربي هي الأقدر على الانتشار أو التموضع التكتيكي بكل مكوناتها دعما لعمليات إعادة فرض الاستقرار فيما يتجاوز محيطها الإقليمي إلى الحيوي جيواستراتيجيا.

 والقرار الأميركي بدعم جهود التحالف العربي في اليمن بهدف إنهاء الصراع وإعادة الاستقرار بدءا بتطهير ميناء الحديدة من سيطرة ميليشيات الحوثي يؤكد ما سبق.