هتف بي الشاب السوري قائلا : إن مصيرنا معلق بوجودكم هنا، فإذا انصرفتم أو قررتم الكف عن تغطية الأحداث فسيكون الموت مصيرنا.
كان هذا الشاب واحدا من أكثر من 400 لاجئ سوري اعتصموا في أحد القطارات الهنغارية في بلدة بيتشك، غربي بودابست، عندما حاولت السلطات اقتيادهم إلى مخيمات اللاجئين وهو ما كانوا يرفضونه تماما.
وبحسب رأي الشاب، فإن ما كان يمنع الشرطة الهنغارية من شن هجوم ضدهم لكي تقتادهم بالقوة إلى هذه المعسكرات هو الكاميرات التي اصطفت في محطة القطار تتابع ما يجري لحظة بلحظة، وتنقله على الهواء مباشرة إلى العالم بأسره.
ولعل كاميرات الإعلام التي نقلت على الهواء أيضا مسيرة اللاجئين من بودابست إلى الحدود النمساوية، هي ما دفع السلطات الهنغارية إلى ارسال حافلات تنقلهم إلى الحدود وتخفف عنهم مسيرة الـ130 كيلومترا حتى الحدود.
وكما يرى لاجئون سوريون آخرون فإن ما يساعد على حلحلة مشاكلهم هو الإعلام، وما يقوم به من تغطية مباشرة ومستمرة خاصة صورة الطفل السوري الغريق إيلان التي حركت مشاعر العالم كله، ودفعت زعماء أوروبا للتخلي عن مواقف متشددة حيالهم والإعلان عن تخفيف للقيود المفروضة وعلى حركتهم.
إلا أن للصحافة أيضا أضرارها كما يرى اللاجئون، لهذا كانوا يرفضون في كثير من الأحيان الحديث أمام الكاميرا رغم أنهم كانوا يحكون قصصهم بكل حرية دون تسجيل.
ولكن ما أن تظهر الكاميرا والميكرفون حتى يحجمون، أولا لأنهم يخشون من السلطات في البلد الأوروبي الذي يمرون به، وثانيا لأنهم يخشون من السلطات في بلدهم الأصلية، وثالثا لأنهم يخشون على أهلهم أن يروهم ويصابوا بالألم حيال ما يمرون هم به.
ولا ضرر للصحافة أكبر بالطبع من موقف الصحفية الهنغارية التي عرقلت لاجئا سوريا كان يركض هربا من الشرطة، فسهلت بالطبع سقوطه في أيديهم.
ورغم أنها حاولت تبرير موقفها بالذعر والفزع من الموقف كله، لكن جموع الصحفيين العاملين على تغطية الأزمة بكاملها استنكرت هذا الموقف ورأت فيه تخليا عن دورها الصحفي وعن حيادها الإعلامي.
وعلى أي حال فالصحافة والإعلام كأي شيء آخر لها فوائدها وأضرارها، ولكن من يناط بهم مهمة كشف الحقيقة وتسليط الضوء على المشكلات والكوارث تتعلق بهم الأنظار في كل لحظة لأن المفترض منهم المساعدة على الحل وليس تعقيد المشكلة.
طوال أيام تغطيتي لأزمة اللاجئين السوريين في أوروبا، والتي اقتربت من شهر كامل وشملت خمس دول أوروبية، كانت مواقف اللاجئين دائما مؤيدة للإعلام ومتناغمة معه وحتى ما فعلته الصحفية الهنغارية لم يغير من هذا الاتجاه ولم يقلل من احساسهم المستمر بالعرفان بالجميل للصحفيين.
ظهر هذا لي بوضوح عندما قابلت في محطة قطارات بلغراد رجلا وامرأة سوريين في العقد الثامن من العمر، كانا ينتظران قطارا يأخذهما إلى هنغاريا ومنها سيستقلان سيارة إلى النمسا ومنها إلى ألمانيا فسويسرا حيث يقيم ابنهما.
ظلت المرأة وزوجها يشكرانني بعد أن أجريت اللقاء معهما، وظلت المرأة تدعو لي بالسلامة والخير حتى أنني خجلت من نفسي فما أفعله ليس أكثر من القيام بوظيفتي ودوري ضئيل جدا ولكن يبدو أن تقديرهما لهذا الدور كان كبيرا للغاية.
ووسط كل هذا يظل السؤال الوحيد الذي يسأله اللاجئون ماذا تخبئ لهم الأيام المقبلة.