لم يكن حديث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن التخطيط لإقامة منطقة عازلة على الحدود بين بلاده وسوريا والعراق مفاجئا، فتسريبات إعلامية تحدثت منذ أسابيع عن عمل قيادة الأركان على هذا المشروع في انتظار الإرادة السياسية للتنفيذ.

فالجيش التركي وفق وظيفته التي تم تعديلها في الدستور قبل أربع سنوات، مسؤول فقط عن الدفاع عن الأراضي التركية من المخاطر الخارجية، ووفق هذا التعريف بقي الجيش التركي مغمضا عينيه عن تسلل المئات من المقاتلين الأجانب من تركيا إلى سوريا، ويكتفي بالرد السريع لأي إطلاق نار يأتي من جانب الاراضي السورية مهما كان مصدره .

ولا تجد القيادات العسكرية حرجا في الرد على الصحافة التركية التي تسألها عن سبب عدم ضبطها للحدود مع سوريا بالقول" إنه لو كانت هناك إرادة سياسية لأمرتنا بذلك، فالجيش اليوم في تركيا ملتزم بتعليمات الحكومة ولا وصاية له عليها".

ملف آخر تم الكشف عنه مؤخرا يتعلق بالموقف "السلبي" للجيش مما يحدث على الحدود بسبب الموقف السياسي لحكومته من الأزمة السورية، وهو ملف نفط تنظيم الدولة إذ فوجئت الصحافة التركية بقيام الجيش منذ شهرين بحملات تفتيش وقطع العشرات من خطوط البترول التي تم مدها سرا من شمال سوريا إلى محافظة هاتاي جنوب تركيا على غرار الأنفاق التي كانت تصل بين غزة وشرق سيناء.

ومع التحقيق في الموضوع والحديث إلى عشرات المواطنين، تم الكشف عن تجارة كبيرة من بيع نفط تنظيم الدولة عبر تهريبه إلى تركيا في خطوط وأنفاق تنتهي داخل حدائق بيوت تجار التهريب في هاتاي، وكشفت الشهادات عن تحميل نحو 50 شاحنة ديزل يوميا من ذلك النفط وبيعها في جميع أنحاء تركيا، حيث كان يباع الليتر من ذلك الديزل بسعر 1.3 ليرة أي حوالي 60 سنتا .

ورغم أنها تجارة تهريب إلا أنها كانت تتم "على عينك يا تاجر" فهي السر المكشوف لجميع أهالي المحافظة وسط غياب إرادة سياسية مجددا لوقفه أو منعه.

لكن الجيش التركي تلقى أوامر من الحكومة لبدء قطع تلك الأنابيب والخطوط، فتراجع عددها بشكل كبير ولم تختفي بالمطلق مما رفع سعر ليتر ذلك الديزل إلى 3 ليرات (دولار و40 سنتا) وهو ما يزال أرخص من سعر بيع الديزل بشكل قانوني في تركيا.

الجيش التركي مستعد لفرض منطقة عازلة على الحدود مع سوريا بمساعدة حقول الألغام التي مازالت مزروعة في كثير من الأماكن، وهو قادر على منع عمليات التهريب التي تدر ذهبا على تنظيم الدولة، لكنه لا يريد القيام بذلك في مبادرة منه وينتظر الإرادة السياسية التي ما زال غير واثق في أن حكومة داودأوغلو والرئيس أردوغان قد تظهرها قريبا أو بشكل جدي وقوي.