في أحد التسجيلات المسربة لمكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ورجل الأعمال التركي فاتح سراج، يأمر أردوغان بحذف أحد الأخبار التي شاهدها على قناة "خبر ترك".

كان الخبر يتناول تصريحا لزعيم حزب الحركة القومية المعارض، دولت باهشلي، يدعو فيه الرئيس عبد الله غول للتدخل في أزمة احتجاجات حديقة "غيزي بارك" في إسطنبول الصيف الماضي.

وفي تسجيل آخر نسمع فاتح سراج يتحدث مع موظف في القناة ينقل له طلب أردوغان، فيرد الموظف: تمام أفندم!

تكشف هذه الحادثة عن مدى الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء التركي بالتدخل في شأن وسائل الإعلام وما تنشره أو تحجبه، بشكل بات يمثل أحد أهم الازمات السياسية في تركيا بشأن حرية الرأي والتعبير.

المثلث الأسود

وتتحدث المعارضة التركية عن ما تسميه المثلث الأسود الذي يتشكل من أضلاع الحكومة ورجال الأعمال ومؤسسات الإعلام، مطالبة بوضع قوانين تضمن استقلال وسائل الإعلام أو على الأقل منع أصحابها من رجال الأعمال من دخول أي مناقصات عامة للحكومة.

فرجل الأعمال، صاحب إحدى وسائل الإعلام، يسعى عادة لاسترضاء الحكومة من أجل الفوز بمناقصة كبيرة تدر عليه أرباحا بملايين الدولارات.

وهذا سيناريو قديم جديد، كان قبل حكم حزب العدالة و التنمية، وخلال ولايته.

لكن أردوغان ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وفق ادعاءات المعارضة، التي أصبحت مدعومة بتسريبات التسجيلات الصوتية لرئيس الوزراء والمقربين منه من رجال الأعمال.

المال والإعلام

فقد لاحظت المعارضة في السنوات الأخيرة أن رجال الاعمال الذين يفوزون بمناقصات مقاولات كبيرة يتوجهون لشراء محطات تلفزيونية وصحف بعد الفوز بالمناقصة، ليكتشفوا بعد ذلك تغير توجه المحطة لدعم الحكومة ونقل وجهة نظرها فقط في نشراتها الإخبارية، بعد عملية طرد لجميع العاملين في قطاع الأخبار فيها، وتعيين صحفيين محسوبين على الحكومة.

تكرار هذه الظاهرة كشف للمعارضة أن شراء وسائل الإعلام المعارضة بهذا الشكل يأتي بطلب من أردوغان، كما حدث مع رجل الأعمال المعروف أحمد شاليك الذي اشترى مجموعة "صباح" الإعلامية وعين صهر أردوغان مديرا عاما لها عام 2006.

وكذلك قام اتحاد الشركات الذي فاز بمناقصة بناء ثالث مطار في إسطنبول، بشراء صحيفة أكشام وقناة شو تي في، وذلك بشكل مفاجئ.

كذلك تم تغيير سياسة التحرير في أقدم وأكبر قناة إخبارية في تركيا "إن تي في" بشكل مفاجئ وكبير لصالح دعم الحكومة بعد حصول صاحبها فريد شاهنك على مناقصة بناء قناة إسطنبول تحت بحر مرمرة.

سيطرة

وبذلك يسيطر أردوغان، وفق معارضيه، بشكل غير مباشر على نحو 80% من وسائل الإعلام في تركيا. كما شهدت فترة حكم حزب العدالة والتنمية أكبر نسبة طرد للصحفيين من وظائفهم.

وبعد أن كانت الصحف في عهد الوصاية العسكرية سابقا تعمد إلى تعيين أحد المتقاعدين العسكريين في مجلس إدارتها لتضمن رضا المؤسسة العسكرية، باتت وسائل الإعلام اليوم تتسابق على توظيف الصحفيين المحسوبين على الحكومة، لدرجة أن بعضها، وفقا للمعارضة، لا يقوم بتعيين رئيس التحرير إلا بعد مشاورة أردوغان أو المقربين منه.