تشتعل حمّى التنافس بين الجهات البحثية التي تعمل على تطوير مهمات الجندي الشخصية وأسلحته وأجهزته وأدواته المستخدمة في الميدان، وكلها تعتمد على التقنيات الحديثة ومنها النانو تكنولوجي.

بلغ من حدة وأهمية الصراع العلمي من أجل الارتقاء بجندي المستقبل، أن معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا"، المصنف في المركز الأول بين معاهد العالم في مجال التقنيات الحديثة، أسس قسما يختص بالنانو تكنولوجي للجندي، يعكف على العمل به أساتذة اختصاصيون وما يزيد على مئة باحث، وفيما يلي ملخص لما أعلنت عنه دول مختلفة، بعضه تحقق وجوانب أخرى قيد التطوير:

بزة أو بدلة أو "أوفرول" الميدان الرهيب

ستشمل عملية تطوير جندي المستقبل الواقعي كل التفاصيل التي تغطي متطلبات الأمان الشخصي، من إصابات ألغام الأفراد وشظايا المقذوفات وطلقات الأسلحة الصغيرة، وتأمين الاحتياجات الحيوية لجسده، دون تكبد أعباء ثقل الوزن، ويتم هذا المسعى من خلال استغلال الثورة التي استجدت على ما صار يُعرف بالمواد الذكية، وبناء عليها صممت البدلة من 3 طبقات، هي بالترتيب من السطح الخارجي:

• طبقة الحماية

• طبقة الطاقة المركزية

• طبقة الحياة الحرجة

كيف ستدمج هذه الطبقات لتكون نسيجا واحدا صالحا للتفصيل (القص والخياطة) ثم ضبط الارتداء؟ هذا سر تحتفظ به بالطبع مراكز الأبحاث، التي اعتمدت على مادة بوليميرية مزيج من البولي إثيلين والجيليكول، يتم خلطها بعناصر كيماوية أخرى تحت ضغط معين ودرجة حرارة معينة، تنتج مادة يتشبع بها كلية نسيج الطبقة الأولى، لتصبح هذه الطبقة ذات خصائص متغيرة، قابلة للتحول من حالة المرونة إلى حالة الصلابة الشديدة عند التعرض لصدمة طلقات الرصاص أو الشظايا.

هذا النسيج أو الخامة المستحدثة في الطبقة الأولى من بدلة الجند تتفاعل في جزء من الألف من الثانية، وتعود هذه المادة في التو إلى حالتها المرنة بعد انتهاء التعرض لعوامل الصدم الخارجية، هكذا سوف تصبح هذه البدلة درعا واقيا يغطي كل مساحة جسم الجندي، بعد التخلي عن التقنية القديمة المصنوعة من الألياف والسيراميك، التي كانت تحمي جزئيا الصدر والبطن والجزء العلوي من القدم.

لن تخلو بدلة الجندي السحرية هذه من دعم نظام الطاقة، والمحافظة على درجة حرارة الجسم، وتصون توازن الحرارة والطاقة في الأجواء المختلفة، حيث سيتم توفير مصدر كهربي يتصل بالبدلة يعمل بالطاقة الشمسية، أو طاقة الهيدروجين السائل من نوع معد خصيصا لهذا الاستخدام، بكمية صغيرة الوزن والحجم، تستطيع توليد طاقة تستمر 6 أيام، إضافة إلى توفير بطارية صغيرة من النيكل كاديوم ممتد المفعول تعمل على بقاء الطاقة عند نفادها من خلية وقود الهيدروجين، ومهمة هذه الطاقة التبريد أو التدفئة تبعا لحالة الجو ومجهود الجندي أثناء العمليات، تؤدي هذه الطاقة عملها من خلال أنابيب دقيقة تنتشر في البدلة، صممت للبقاء بدرجة حرارة ثابتة تعمل على إعادة ضبط وتعديل التغيرات الناتجة عن درجة الحرارة الخارجية الأجواء الخارجية والداخلية تستجد على درجة حرارة الجندي.

استغلالا لفيزياء الجسد، يلف على المعصم شريط مصنوع من مادة قادرة على ادّخار حرارة منخفضة، تستردها شرايين اليد عند ارتفاع حرارة الجسم، ومن ثم يتم تبريد الدم ومن بعده كل الجسم، وسوف تزود الطبقة الداخلية من بدلة الجندي بمادة كابحة للنزيف، تعمل بصورة آلية على وقف تدفق الدم في الجروح الصغيرة التي يمكن أن يتعرض لها الفرد.

بدلة الجندي سوف تتحول إلى حرباء صناعية، عن طريق مستشعرات في النسيج الخارجي ذات قدرة على التقاط ألوان البيئة المحيطة، واستدعاء درجة اللون المماثلة لتصبغ بدلة الجندي وتخفيه عن أعين العدو، وإمعانا في الإخفاء ونتيجة لتطوير بدلة الجندي سيتم طمس البصمة الحرارية أمام أجهزة الرصد التي تعتمد على التتبع الحراري.

الخوذة

خوذة الجندي القديمة المستخدمة في الحرب العالمية الأولى والثانية مقارنة بخوذة المستقبل سينظر إليها كما لو كانت من العصور الحجرية، الخوذة الجديدة مصنوعة من لدائن أكثر صلابة كتلتها منخفضة بدرجة ما وأخف من الخوذ المعدنية القديمة، رغم ما ستتمتع به من مواصفات مذهلة تعطي الجندي مميزات لم يكن أحد يحلم بها من قبل.

من خلال الخوذة المستحدثة، سوف تتغير جذريا علاقة الجندي بالميدان، إذ ستتطور روابطه اعتمادا على الوسائط التي تلائم مجريات المعركة الحديثة، من متطلبات الاشتباك والتحرك والاتصال، حيث ستعمل التقنيات والإمكانيات الملحقة بهذه الخوذة كحلقة وصل بالبيئة المحيطة في الميدان وخارجه.

القوام الأساسي في إنجاز مهمة هذه الخوذة سيتمثل في شاشة تطبيق العرض (Vysor) المدمجة في الواقي الزجاجي أمام عين المقاتل، وتتيح هذه الشاشة المعلومات اللازمة للتحرك في الاتجاهات والمسارات الصحيحة، بما تقدمه طائرات الاستطلاع أو المسيرة أو الأقمار الصناعية من نقل صورة دقيقة لساحة المعركة، والكروكيات والخرائط المرسلة من مركز القيادة المتعلقة بالموقع الموجود به التشكيل القتالي، وتعيين المحل (تحديد الموقع باستخدام gps) في حالة انحراف مسار الفرد وخروجه عن التشكيل.

ستوفر الهوائيات والسماعات والميكروفون المثبتة في الخوذة وكلها صغيرة الحجم قدرات نوعية فائقة، تساعد على تسهيل عمليات الاتصال من إرسال واستقبال في ظروف صخب وأعباء المعركة، ويعمل مكون في الخوذة أيضا كجهاز رؤية ليلي، وتختلف طبيعة هيكل الخوذة بين الدول المصنعة، ومنها النوع الروسي المكون مِن ثلاث طبقات الخارجية والداخلية صلبة والوسطى مرنة وكلها مضغوط ككتلة واحدة، تعتمد على البوليمرات والكربون وقادرة على تحمل شظايا بسرعة 630 مترا في الثانية.

الحذاء

سيحقق حذاء جندي المستقبل إمكانيات غير مسبوقة، تتمثل في متانة وإحكام الحذاء لتحمل الحركة في كل أنواع الأراضي، والأهم قدرة هذا الحذاء المزود في نعله بمجسات من نوع خاص على اكتشاف الألغام وإنذار الفرد، والتطور الأكثر فائدة قدرة هذا الحذاء على وقاية قدم الجندي من الأضرار الجسيمة في حالة تعرضه لانفجار لغم مضاد للأفراد، وهناك تصورات عن نوع من أحذية الميدان سوف تساعد الجندي على القفز لارتفاعات تصل لأربعة أمتار.

السلاح

يراعي مصممو البندقية المستقبلية أهمية خفة وزنها، دون إخلال بمعدلات إطلاق النيران ودقة التصويب، التي ستعتمد على كاميرا مثبتة على السلاح مرتبطة مع جهاز تقدير مسافة ليزري، يقوم أيضا بتصويب الإطلاق على الهدف، وهناك عمليات تطوير تجري لاستخدام أعيرة مختلفة في البندقية الواحدة، تعتبر من الناحية الوظيفية سلاحين مستقلين.

تشارك في تطوير سلاح الجندي في الغرب عدة شركات متخصصة من جنسيات مختلفة في حلف الناتو، تهدف إلى إنتاج بندقية سوف تكون أثقل لكنها تحقق قدرات اشتباك هائلة، والنقلة الكبيرة في الاستخدام تتمثل في وجود نظام لإدارة النيران يدعمه حاسب يضبط أيضا المصهرات المطورة (طابات التفجير)، التي ستدمج بالذخيرة، مما يعدد أماكن التفجير على الهدف، إما بإصابة مباشرة أو أعلى الهدف أو على مسافة محسوبة منه، وسوف تزود أسلحة الجندي الذكية أيضا بنبضات الليزر والكهرباء.

أخيرا، يثار تساؤل إلى متى ستظل عمليات تسويق المنتجات الجديدة المتعلقة بجندي المستقبل مقيدة من الدول الصانعة؟ الرد على هذا السؤال تكشفه أساليب تجارة السلاح، حيث لا يتاح الحصول على الأجيال الجديدة منه إلا بعد تجاوزها بجيل أحدث، أو يسمح بها في أضيق الحدود التي تقتصر على الدول الحليفة فقط.