عندما انتهت الحرب الباردة بعد انقضاء الصراع الأيديولجي الحاد بين القوتين العظميين (The two superpowers) تنفس العالم الصعداء نتيجة تراجع الرعب من قيام حرب نووية كان اندلاعها يعنى دمار يأتي على الأخضر واليابس واختفاء الجنس البشرى من هذا الكوكب لأن كمية الرؤوس النووية لدى كل من الولايات المتحدة وما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي كانت كفيلة بتدمير كل ما هو فوق سطح الأرض عدة مرات.

بعد ما يزيد عن 3 عقود يطل الرعب النووي على البشرية من جديد بين طرفين أولهما الولايات المتحدة القطب الأوحد الذي بدأ يتزحزح قليلا عن المقعد الإمبراطوري لأسباب اقتصادية وعسكرية والطرف الآخر هو روسيا الفيدرالية، التي ورثت الترسانة النووية من الاتحاد السوفيتي ورغم إن أميركا تصنف الأقوى عسكريا إلا أن روسيا التي تأتي في المرتبة الثانية هي الأولى عالميا من بين دول ما يعرف بالنادي النووي متفوقة في عدد الرؤوس النووية عن الولايات المتحدة. 

تسع دول تمتلك في ترسانتها العسكرية أسلحة نووية هي تنازليا طبقا لعدد الرؤوس النووية روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين والمملكة المتحدة وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن 90 بالمئة من مخزون الأسلحة النووية يوجد لدى الولايات المتحدة وروسيا.

تتضاعف مخاطر الأسلحة النووية عندما يزداد نشر رؤوسها حيث تقتصر الجاهزية الدائمة على أعداد قليلة من الرؤوس النووية تكون قادرة على الرد السريع على هجوم مفاجئ ويؤدى الارتفاع في نشر هذه الرؤوس إلى توتر خطير بين القوى الكبرى وهو ما بدا واضحا أخيرا في مستهل العملية العسكرية ضد أوكرانيا عندما أعلن الرئيس الروسي عن وضع قوات الردع الاستراتيجي للدولة في حالة تأهب وهى قوات أحد مشتملاتها السلاح النووي وبصفة عامة تتشكل القوة الاستراتيجية للدول الكبرى من  قاذفات وصواريخ استراتيجية وحاملات طائرات وغواصات كلها قادرة على حمل السلاح النووي وتحتوى على الصعيد الدفاعي شبكة مضادة للصواريخ وأنظمة مراقبة جوية ودفاعات جو فضائية مضادة للطائرات والأقمار الصناعية.

انتبه معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام المعروف اختصارا بالإنجليزية (SIPRI) لما استجد على الوضع الدولي بعد التصعيد الروسي الأخير ورصده لانتهاء عصر ما بعد الحرب البارد الذى شهد استتباب الوضع النووي لذلك أصدر المعهد تقريرا استثنائيا يتقصى فيه الحالة الراهنة ضمنه جدولا يحتوى مقارنات داله من أهمها الرؤوس الحربية التي يستمر نشرها (Deployed warheads) وهى جاهزة للإطلاق الفوري في 4 دول فقط هي أميركا  1744 روسيا 1588 فرنسا 280 بريطانيا 120 ومن اللافت هنا أن الصين لم تقم بنشر أي من رؤوسها النووية فهل هي حكمة الشرق إزاء روح الصراع التي تهيمن على الغرب أم أن المعركة الأساسية لبكين هي الاقتصاد؟

عزز تقرير "سيبرى" رؤيته للواقع الذى استجد على المشهد النووي برصد التغيرات التي سادت بعد انتهاء الحرب الباردة مستهدفا لإجمالي المخزون (Total inventory) في العامين الأخيرين حيث تواصل تناقص الرؤوس النووية حتى بداية العام الحالي في كل من الولايات المتحدة وروسيا فقط مع الأخذ في الاعتبار ضآلة مخزون الدول الأخرى وثباته من الأسلحة النووية ففي عام 2021 كان لدى الأميركيين 5550 رأس نووي نقصوا في بداية 2022 إلى 5428 بينما كان لدى الروس 6255 في عام 2021 نقصوا في بداية 2022 إلى 5977، لكن التقرير يحذر من أن الأوضاع والسياسات الراهنة تقود إلى عودة السباق النووي وأن العقد المقبل سيشهد بسبب التوترات الحالية اشتعال هذا السباق. 

في هذا الصدد أشار ويلفريد وان مدير برنامج أسلحة الدمار الشامل التابع لمعهد استكهولم إلى أن جميع الدول المالكة لسلاح نووي تعمل على زيادة أو تحسين ترساناتها ومعظمها يشحذ الخطاب النووي والدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في استراتيجيتها العسكرية.

وأكد هانز كريستنسن، زميل أول مشارك في برنامج سيبرى لأسلحة الدمار الشامل ما ذهب إليه اتحاد العلماء الأميركيين (FAS) من أن هناك مؤشرات واضحة على أن التخفيضات التي ميزت الترسانات النووية العالمية منذ نهاية الحرب الباردة قد توقفت أخيرا.

لا شك أن التهديد بالأسلحة النووية وتطوير ترساناتها أمر يزيد من التوتر لاسيما بعد التلويح المتعمد من جانب روسيا باستخدام الصواريخ فرط الصوتية ويزيد من المخاطر الاحتمال بأن تلجأ ألمانيا إلى امتلاك سلاح نووي بعد الموقف غير الحاسم من الولايات المتحدة بعد غزو أوكرانيا يضاف إلى هذا غموض برنامج إيران النووي وهو ما يعني في حالة امتلاكها سلاح نووي السعي الجاد من جانب الدول العربية لتحقيق التوازن بامتلاك هذا السلاح.

لم يشر تقرير معهد استكهولم لأبحاث السلام إلى احتمالات الاتساع الأفقي للأسلحة النووية بسبب سخونة الوضع الراهن وما أدى إليه من مخاوف من أن تفقد اتفاقات ومحادثات نزع الأسلحة النووية جدواها وأن يعود العالم إلى دوامة سباقات التسلح النووي بكل ما تحمله من مخاطر كابوسية.