يخطئ من يتعامل مع الموجة الجديدة من الحراك الشعبي والرسمي في تونس، على أنها شأن تونسي داخلي بحت، فهي وإن كانت كذلك فيما يتعلق بأسبابها وتطوراتها وتفاعلاتها إلا إنها بكل تأكيد ستتجاوز الحدود التونسية إلى كل الإقليم ومستقبله ومصير شعوبه.

فقد نكون بصدد كتابة السطر الأخير الذي تأخر عن موعده لسنوات طويلة، لمشروع استاذية العالم الذي ظل حلما وهدفا مسيطرا على قادة تنظيم "الإخوان"، وناظما لكل خطواتها وراسما لكل تحركاتها في المنطقة.

وقد نكون بصدد نهاية التنظيم المتشدد كله، بعد أن أصبحت آخر قلاعه في مهب الغضب الشعبي والرسمي الجارف، الذي يجتاح الساحة التونسية حاليا.

ونظرا لخطورة ما يجري حاليا في تونس منذ قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو، وما سبقها ولحقها من حراك شعبي، على مصير ومستقبل هذا التنظيم وفرعه المحلي، فإن لجوء التنظيم إلى استخدام كافة أوراقه وآخرها وأكثرها دموية ستكون محل توقع كبير قد يتمثل في محاولات جر الساحة التونسية إلى الفوضى والعنف والاستقطاب القاتل، تماما كما حاول التنظيم الأم فعله في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013.

 هذا الأمر انعكس في تصريحات كبار قادة التنظيم، الذين أكدوا استعدادهم للدفاع عن مكتسباتهم حتى آخر قطرة دم، في تحريض صريح ومباشر على العنف، لذا فإن التحرك لحماية هذه الموجة التصحيحية من الحراك التونسي مطلوبة داخليا وإقليميا، وإذا كانت هناك مسؤولية تاريخية على الشعب التونسي في هذه اللحظات لشد أزر رئيسهم في هذه المواجهة المصيرية وتوفير ظهير شعبي لدعم خطواته بما فيها فتح ملفات الفساد والاغتيالات والمحاولات المتكررة لإفشال المسار الديمقراطي والتحكم في صنع القرار.

وقد يكون الدعم العربي والإقليمي للتحركات الرئاسية الأخيرة في تونس بوابة البلاد لمواجهة أي فاعلين دوليين يحاولون التشكيك في شرعيتها أو دستوريتها، وهنا فإن استدعاء الدعم الإقليمي القوي للتجربة المصرية في 2013 كان بوابة انتزاع اعتراف المجتمع الدولي وقواه الفاعلة بشرعية ثورة 30 يونيو 2013 وقرارات 3 يوليو التاريخية.

فلا أحد ينسى المواقف التاريخية للسعودية والملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم ثورة الشعب المصري على الإرهاب، ولا أحد ينسى كيف سخرت الدولتين جهازهما الدبلوماسي خارجيا لدعم موقف الدولة المصرية وشعبها وإنهاء محاولات التدخل في مسار تجربتها، وتوضيح وكشف ما تعرضت له مصر إبان حكم الجماعة الإرهابية، وأهمية ثورة 30 يونيو في تصحيح مسار دولة بحجم وأهمية ومكانة مصر.

 ولعل كلمات الأمير سعود الفيصل رحمه الله لا تزال حاضرة حينما حذر وقتها من الاستمرار في   الموقف العدائي من بعض القوى الدولية تجاه مصر قائلا: " إن هذه المواقف إذا استمرت لن ينساها العالم العربي والإسلامي"، ووصفه تلك المواقف بأنها مجرد "تبريرات واهية لا يمكن أن يقبلها عقل.. وإنما هي مواقف عدائية ضد مصالح الأمتين العربية والإسلامية واستقرارهما".

هذا الدور العربي مطلوب الآن وبقوة لدعم القيادة التونسية في خطواتها لتصحيح المسار دون ضغوط خارجية قد تأتي تحت ستار مبررات واهية، وهنا فإن زيارة وزيري خارجية المغرب والجزائر لتونس ولقائهما بالرئيس التونسي تحمل دلالات كبيرة لدور ودعم عربي مطلوب أن يتوسع ويستمر، لكن هذا الدور أيا كانت قوته وأهميته سيكون مكملا لدور الشعب التونسي في حماية مكتسباته وتأمين مستقبله، فما أنجح قرارات 3 يوليو 2013 في مصر هو أنها جاءت استجابة لثورة شعبية جارفة وفرت حاضنة لهذه القرارات وحصانة لها وتفويضا مفتوحا لمتخذيها لإكمال المسار، وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال في تونس.