بعد نحو شهر من الآن وتحديدا في 20 نوفمبر المقبل، سيكمل الرئيس الأميركي جو بايدن، عامه الثمانين ليدخل عقده التاسع.

وإن قدر له المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة والفوز بها سينهي ولايته الثانية وهو يبلغ من العمر 86 عاما، ليعزز مركزه كأكبر رؤساء أميركا سنا، وهو الوصف الذي ربما يحتفظ به إلى الأبد، ووقتها سيكون في ضعف عمر أصغر رؤساء أميركا سنا، وهو "تيدي روزفلت" الرئيس 26 للولايات المتحدة والذي دخل البيت الأبيض في عمر 42.

ورغم الانطباع السائد بأن الزعماء المسنين يلعبون مرارا دورا كبيرا في البحث عن طرق لإخراج بلادهم من الأزمات بسبب سياستهم المحافظة، على عكس القادة الشباب الأكثر جرأة وطموحا وجموحا ومغامرة، فإن هذه القاعدة ربما تكون قد عملت بشكل عكسي في حالتي أصغر رؤساء أميركا وأكبرهم سنا، فـ"ثيودور روزفلت"، الشهير بـ"تيدي" لعب دورا كبيرا ومحوريا خلال سنوات حكمه الثماني في إعادة وحدة الصف بين الأميركيين، ووأد انقسام كان وشيكا عقب اغتيال سلفه الرئيس ويليام ماكينلي في السادس من سبتمبر عام 1901، فتبنى داخليا سياسات تقدمية حظيت بقدر كبير من التوافق رغم قيادته البلاد في ظروف صعبة، وتمكن من الدفاع عن سياسته المحلية التي سميت "الاتفاق العادل"، فقام بإلغاء الديون عن المواطنين، وهاجم الاحتكار بموجب قانون شيرمان لمكافحة الاحتكارات، وحقق إنجازات كبيرة في مجال البنية التحتية بما فيها تنظيم قطاع السكك الحديدية، وحرص على تحقيق الأمن الغذائي، حيث جعل الحفاظ على الطبيعة من رأس أولوياته، وأنشأ عددا كبيرا من الحدائق الوطنية الجديدة والغابات، بهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد، كما أنشأ 21 مشروعا فيدراليا في مجال الري.

وأصدر روزفلت قانونا أسماه الصفقة المربعة أو الصفقة العادلة Square Deal‏، وهو البرنامج المحلي الذي عكس أهدافه الرئيسية الثلاثة: الحفاظ على الموارد الطبيعية، والسيطرة على الشركات وحماية المستهلك، وكان يهدف إلى مساعدة مواطني الطبقة الوسطى من خلال تبني إصلاحات تطال أماكن العمل في أميركا، والتنظيم الحكومي للصناعة، وقد قادت هذه السياسات إلى إعادة انتخاب "تيدي" لولاية ثانية بسهولة، أما خارجيا فقد ركزت سياسة أصغر رؤساء أميركا سنا على أميركا الوسطى، حيث دعم الحركة الاحتجاجية البنمية التي طالبت بضرورة الانفصال عن كولومبيا. وأمر بإرسال بوارج حربية استقرت أمام مدينتي بنما وكولون لمنع الكولومبيين من التدخل عسكريا بالمنطقة، الأمر الذي انتهى باستقلال بنما في 3 نوفمبر 1903، وبعدها بثلاثة أيام فقط، اعترفت الولايات المتحدة ببنما دولة مستقلة، واتجهت يوم 18 من نفس الشهر لتوقيع اتفاقية معها لحفر القناة مقابل 10 ملايين دولار، كما قام روزفلت بتوسعة القوات البحرية للولايات المتحدة، وأرسل الأسطول الأبيض العظيم في جولة حول العالم لإبراز القوة البحرية للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

مجال المقارنة الأبرز بين الأصغر والأكبر في رؤساء أميركا، يتمثل في الدور الكبير والبارز الذي لعبه روزفلت كوسيط في المفاوضات التي أنهت الحرب الروسية اليابانية عام 1906، مقارنة بدور مناقض تماما لعبه بايدن في الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة أدخل معه بلاده والعالم متاهات لا مخرج قريب منها، فما قام به الأول يعكس رؤية ناضجة للرئيس الأميركي وقتها رغم صغر سنه لأمن بلاده القومي ومصالحها الاستراتيجية وكيفية إدارة تحالفاتها وتسخير قوتها ومركزها لتعزيز مصالحها، وإن دفعه الأمر لمنع إهانة خصومه أو إيقاف هزائمهم أو تغيير مواقفه، فرغم مواقفه الأولية المؤيدة لليابانيين مطلع الحرب، أبدى روزفلت تخوفه من تزايد القوة العسكرية لليابان وإمكانية هيمنتها على شرق آسيا، معتبرا ذلك تهديدا لمصالح الولايات المتحدة بآسيا، ومع تطور الحرب أصبح روزفلت على إيمان مطلق بأنه وفي حال هزمت اليابان روسيا، فإن ذلك يخل بتوازن القوى في المحيط الهادئ، الأمر الذي كان يتحتم على الولايات المتحدة أن تعيده إلى نصابه، ومن هنا كانت وساطة روزفلت لإنهاء الحرب، وهو الأمر الذي انتهى بتتويجه بجائزة نوبل للسلام في 1906.

في المقابل، أدخل أكبر رؤساء أميركا سنا بلاده والعالم في أزمات لم ولن تنتهي نتيجة سياساته داخليا وخارجيا، والتي تحدثنا عنها في مقالات أربع سابقة، وهي السياسات التي أظهرته كقائد غير كفء يمارس سياسات كارثية في مجالات الطاقة والاقتصاد والضرائب والمناخ والهجرة والسياسة الخارجية، على حد تعبير الصحفي الأميركي البارز "هيربرت ستوب" في مقاله بصحيفة "واشنطن تايمز" في سبتمبر الماضي، مؤكدا أن المشكلة الرئيسية لرئاسة بايدن هي تناقض سياسته وليس فقط عمره، مشددا على أن الرئيس الأميركي الحالي يجب أن يتحمل المسؤولية عن سياسته الكارثية في مجالات الطاقة والاقتصاد والضرائب والمناخ والهجرة، وكذلك عن تشجيع الخروج عن القانون والجهود الهادفة لجعل النظام الانتخابي في الولايات المتحدة أكثر عرضة للفساد. وخلص ستوب قائلا إن بايدن "ليس مسنا للغاية لأن يصبح رئيسا"، لكن يجب أن يخسر في الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب القيادة غير الكفؤة للبلاد، والسياسات الداخلية الفاشلة، والموقف الخارجي الفاشل والذي يمكن وصفه بأنه "أميركا أصبحت هي الأخيرة".