تبدو الفجوة كبيرة والهوة شاسعة بين القول والفعل فيما يتعلق بموقف القوى الفاعلة في المجتمع الدولي تجاه الملف النووي الإيراني وتطوراته الأخيرة الملفتة.

فالمتتبع للتصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين الغربيين حول هذا الملف يجد أنها تعكس قلقا بالغا تجاه سلوك إيران في المنطقة وطريقة إدارتها لبرنامجها النووي، لكن هذا القلق يتوقف عند التصريحات دون أن يتعداها إلى أي محاولة جادة لترجمة هذه التصريحات إلى أفعال ملموسة تعكس حجم القلق البادي في الأقوال، فأول أمس فقط أعلن زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، في ختام قمتهم التي استمرت ثلاثة أيام بمدينة كورنوال البريطانية، التزامهم بضمان عدم تطوير إيران لسلاح نووي، ودعم استئناف مباحثات الاتفاق النووي، ومطالبة طهران بوقف أنشطتها الصاروخية، وإدانة دعم إيران لقوات مقاتلة بالوكالة وجهات مسلحة غير حكومية.

وأعرب زعماء المجموعة عن قلقهم إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، مطالبين طهران بالتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعدها بيوم كان حلف الناتو يختتم قمته في بروكسل بتأكيد التزامه بمنع إيران من تطوير أي سلاح نووي، وأدان البيان الختامي الصادر عن الحلف، عقب اجتماع قادته ما وصفه بـ "دعم إيران بالوكالة للقوات والجهات المسلحة غير الحكومية، بما في ذلك من خلال التمويل والتدريب وانتشار تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة"، داعيا طهران إلى "وقف جميع أنشطة الصواريخ الباليستية غير المتوافقة مع قرار مجلس الأمن رقم 2231، والامتناع عن الأعمال المزعزعة للاستقرار، والقيام بدور بناء في تعزيز الاستقرار والسلام الإقليمي، "وقبلها بيوم واحد قال وزير الخارجية الأميركي، إن إيران اقتربت من مرحلة في برنامجها النووي تصعب السيطرة عليها.

هذه مجرد أمثلة بسيطة لتصريحات كبار قادة العالم التي وردت في الأيام الثلاثة الأخيرة فقط وتعكس في ظاهرها قلقا كبيرا من السلوك الإيراني وتجلياته، كما تعكس في ظاهرها أيضا حزما وحسما على مواجهته والتصدي له.

لكن على أرض الواقع تبدو الصورة مختلفة، فإذا كانت الأقوال تحمل قلقا وحسما وحزما فإن الأفعال تعكس مقاربات هادئة جدا في التعامل مع هذا التهديد تصل إلى حد التراخي في مواجهته، ولعل العاصمة النمساوية فيينا شاهدة على هذا التناقض بين الأقوال والأفعال.

ففي المفاوضات التي انطلقت في أبريل الماضي وشهدت حتى اليوم ست جولات بهدف التوصل إلى توافق يعيد إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018، تبدو إيران هي الطرف الأقوى في المفاوضات وهي من يضع شروطه ويفرض كلمته ويرفع سقف مطالبه ويرفض تقديم أي تنازلات.

في المقابل كانت الولايات المتحدة قد رفعت الخميس الماضي العقوبات المفروضة على 3 مسؤولين إيرانيين وشركتين في إيران، في خطوة قدمتها الإدارة الأميركية على أنه حسن نية، إلا أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، لم يعتبرها كذلك، وكان هذا أمرا متوقعا لأن إصرار الجانب الإيراني كان منذ بداية المفاوضات على رفع كامل للعقوبات الأميركية، وهنا يبدو وكأن المجتمع الدولي أصبح عاجزا أمام إيران، وكأنه لا أحد يستطيع ردعها أو دفعها إلى قبول اتفاق عادل لا يراعي فقط مصالح أطرافه ولكن يراعي مصالح ويهدأ مخاوف دول المنطقة المتضررة من سلوك إيران.

لذا كان طبيعيا أن تنتهي كل جولة من هذه المفاوضات بالاتفاق على عقد جولة جديدة، حتى وصلنا الآن إلى ست جولات، ولا أحد يعرف العدد الذي ستنتهي عنده الجولة الأخيرة أو توقيتها، خاصة أنه يبدو جليا أن الطرف الإيراني يلعب على مسألة كسب الوقت وإطالة أمد المفاوضات لأطول فترة ممكنة بهدف فرض أمر واقع يصعب تغييره على بقية أطراف المفاوضات، وهذا الأمر كان واضحا حتى في تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، فقبيل بدء الجولة الخامسة من المفاوضات قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن بلاده ستواصل مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي حتى التوصل إلى اتفاق نهائي، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده إن بلاده لا تفكر في أي وقت بإنهاء مفاوضات فيينا إلا عندما يتم تأمين جميع مصالح الشعب الإيراني.

وهنا يمكن تفسير ما ورد بالتقرير الربع سنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود آثار ليورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وبأن "مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب بات يتجاوز بـ16 مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه عام "2015، فالهدف إذن هو التفاوض من أجل التفاوض لا من أجل الوصول لاتفاق وحلول، الهدف كسب الوقت لترسيخ أمر واقع وراء مفاوضات بلا جدول زمني ومحادثات لا يمكن توقع موعد انتهائها.. وللحديث بقية