اليوم في الخامس عشر من مارس يكون قد مر عشر سنوات عجاف بالتمام والكمال، منذ بدء الأزمة السورية.

الأزمة السورية التي دمرت البلاد وحولتها لساحة مشاع أمام مختلف القوى الإقليمية والدولية، حيث مئات آلاف الضحايا ومثلهم وأكثر، من الجرحى والمعوقين وملايين المشردين والمهجرين، ودمار بلدات ومدن ومحافظات برمتها، وجروح وندوب عميقة صدعت النسيج الوطني والمجتمعي، وحرب طائفية وأهلية طاحنة، زرعت الأحقاد والبغضاء بين مختلف المكونات، وتفشي الفقر والعوز، وتدني بل وانعدام أبسط مقومات الحياة الكريمة، إذ تكاد الأزمة الاقتصادية الخانقة تصل بالبلاد لدرك أفقر دول المعمورة، حيث الغلاء والبطالة وانهيار قيمة الليرة السورية، فمهما أسهبنا والحال هذه في سرد تفاصيل الكارثة، التي تعيشها سوريا ويقاسيها السوريون، لا يمكننا وصف فظاعاتها وحجمها المهول، ولا الإحاطة بأكلافها الثقيلة.

والأنكى هو تحول هذه المحرقة السورية إلى أمر عادي وروتيني، وكأنها من طبيعة الأشياء، حيث لا يحرك أحد ساكنا حول العالم كله، ولا يعمل على وضع حد لهذه المأساة المفتوحة على الجحيم، وتبقى البلاد تراوح مكانها، بين نظام كل همه بقاءه في السلطة، و"معارضة" أسوأ وبما لا يقاس من النظام، الذي ادعت عملها على اطاحته، لتغدو مجرد مجموعات أجيرة ومرتزقة لدى تركيا.

وفي وسط هذا الواقع المأساوي الرهيب، ونحن على أعتاب ذكرى مرور عقد من السنين على بدء الأزمة السورية، تأتي المبادرة الإماراتية التي طرحها قبل أيام وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بمثابة محاولة لكسر الجمود في الحالة السورية، والبحث عن مقاربات عقلانية وإنسانية، لانتشال السوريين من قاع الهاوية الذي سقطوا فيه، بما يوقف شلال الدم، ويعمل على استتباب السلام والمصالحة في البلاد، ما يعود وبالضرورة بالنفع، على مختلف بلدان المنطقة والعالم.

والمأمول وسط القنوط، أن تشكل هذه المبادرة الإماراتية رافعة لبلورة حلول خلاقة، من رحم الفوضى غير الخلاقة التي تعصف بسوريا، تستهدي بدروس وعبر الأزمة الوجودية هذه، وتراعي التعدد والتنوع السوريين، كشرط شارط لفتح صفحة جديدة، وطي صفحات الحرب والعنف، والتي ستتحول أغلب الظن لمبادرة عربية عامة، وهو ما يمكن القول أنه في حكم الأكيد، فأبو ظبي كما لا يخفى تحظى بدور وازن ومحوري في المجموعة العربية، خاصة وأن تنسيقها الثلاثي مع كل من القاهرة والرياض في مجمل ملفات المنطقة، ينسحب ولا ريب على الملف السوري، الذي هو الملف الأسخن عربيا وإقليميا .

ولعل دعوة الوزير الإماراتي لعودة سوريا لمحيطها الإقليمي العربي، وتاليا عودتها لجامعة الدول العربية، تقدم ما يشبه خارطة طريق عملية، تمهد لترجمة هذه المبادرة في آليات وخطوات ملموسة تصاعدية وتكاملية، تتكلل بالتوصل لحل سلمي وسياسي توافقي، يضمن وقف الحرب، والتأسيس لسورية تشاركية لا مركزية سالمة، ومسالمة.

والحال أن الانتقاد الإماراتي لقانون قيصر الأميركي الخاص بفرض العقوبات على سوريا، شكل مدخلا موفقا لطرق الموضوع السوري، ووضعه على رأس الأجندة العربية والدولية، عشية دخول الأزمة عقدها الثاني، كون هذه العقوبات تطال بالدرجة الأولى المواطن السوري المسحوق، حالها حال العقوبات التي كانت مفروضة على نظام صدام حسين، فالمتضرر الأول من مثل هذه العقوبات، هي الشعوب المغلوبة على أمرها، وطبقاتها الفقيرة والمتوسطة، وليس النخب الحاكمة، ودوائرها السلطوية الضيقة.

فحجم الأزمة الإنسانية والمعيشية في سوريا، التي ضاعفها قانون قيصر الذي أقرته ادارة دونالد ترامب، بات يستدعي رفع الصوت، واتخاذ مواقف عاجلة على ما فعل الوزير الإماراتي، في الدعوة لإلغائه أو أقله، تخفيف وطأة هذا القانون الثقيلة، على المواطنين السوريين.

ثم أن سوريا التي باتت الحلقة الأضعف في العالم العربي، تمثل ثغرة واسعة للتدخلات والتوسعات الإقليمية، في عموم المنطقة العربية، وخاصة التدخلات الإيرانية والتركية، التي لا تقف عند تخوم سوريا، بل تمتد من العراق ولبنان والخليج لليمن وليبيا.. ما يعني أن بقاء البوابة السورية مفتوحة على مصراعيها، هكذا أمام أنقرة وطهران سيترتب عليه تبعات خطيرة، لجهة زعزعة الأمن القومي لمختلف الدول العربية، وتهديد سلامة أراضيها، واستقرارها.

وهنا خاصة تتبدى أهمية تفعيل المبادرة الإماراتية الأخيرة، وتبنيها على صعيد الجامعة العربية، بما يسهم في توليها لزمام المبادرة والحل في سوريا، وبما يقطع دابر الأطماع التوسعية الإقليمية فيها، وبالتنسيق مع عواصم القرار الدولي، وفي مقدمها واشنطن وموسكو، اللتان تبقيان بعد كل حساب، ضابطتي إيقاع الأزمة السورية صعودا وهبوطا، وتمتلكان مفاتيح الحل والربط، والقدرة على طرح التسويات العملية الممكنة إذا ما أرادتا ذلك، ما يفسر اطلاق أبو ظبي مبادرتها، في حضرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وحثها واشنطن على اعادة النظر في قانون قيصر، تمهيدا لاخراج سوريا من النفق المظلم، وادراجها مجددا في محيطها الطبيعي.