فارق كبير بين سلطة مؤقتة محددة المهام والمدة والشروط، وبين حكومة دائمة ذات مشروع كامل يؤسس للدولة الليبية، التي يريدها الليبيون، فما يؤثر ويستدعي المناقشة والتفتيش في النوايا والتوجهات واتخاذ موقف هو المشروع الدائم وتوجه الدولة بعد اكتمال أركانها واستيفاء شروطها، وهو ما سيحدد مستوى العلاقة معها بعد ذلك.
ومع الاحترام الكامل للسلطة الليبية الجديدة وشخصياتها، ومع عدم التقليل من دورها أو تضخيمه إلا أنه يبقى دوراً محدوداً ومشروطا ولا يعبر عن مشروع دائم، لكن بعض القوى في تعاطيها مع الحدث بينت الفوارق الكبرى في استيعاب النتائج.
ويبدو الفارق كبيراً وكاشفا لمن تعامل باتزان الواثق والعالم بحقيقة الأمور، ويسميها بمسمياتها الحقيقية، وهو الأمر الذي وضح في موقف مصر والإمارات والسعودية الذين رحبوا بها (كخطوة) في الاتجاه الصحيح، وبين من تعامل معها كونها غاية ومغنما بما يكشف آليات التوظيف السياسي الذي يعتمد على منطق الاستعراض الذي وضح في اتصال الرئيس التركي أردوغان مع رئيس الحكومة الجديد بالسلطة التنفيذية المؤقتة عبد الحميد دبيبة.
وفي تقديري أن الصخب الذي أعقب إعلان النتيجة في الملتقى السياسي الليبي يوم 4 فبراير، بفوز قائمة السلطة الحالية برئاسة محمد المنفي في مقابل قائمة المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، نابع من دوافع شتى منها المحلي الليبي ومنها الدولي ومن بينها الشخصي أيضا المتعلق بخيارات المرشحين، والتي أدت في مجملها إلى تحميل السلطة الجديدة ما لا تحتمل ومع تعدد الأهداف تعددت التأويلات، ومنحها دورا ليس لها والبعض الآخر ممن يريدون تقزيمها أو تطويعها قبل بدايتها، بينما استفاد قطاع ثالث من هذه الحالة التي أنتجت تفسيرات مغايرة للواقع الذي يقول إن هذه السلطات اختيرت لتنفيذ مهمات معلومة في مدة زمنية محددة تنتهي في 24 ديسمبر 2021 بانتخابات عامة برلمانية ورئاسية تنتج سلطات دائمة للبلاد، لا شك في أن هناك افتعالا صاحب انتخاب السلطة الليبية الجديدة وسحابات من التفاصيل والتساؤلات حول انتمائها وتوجهاتها وميولها ومستقبلها، والمفاجأة التي أبداها البعض فور الإعلان عنها ووضعها في مواجهة مع قائمة صالح التي كانت تتجه الأنظار إليها وراح ينسج القصص حول ذلك.
وهناك شرط آخر حكم على خروج هذه النتائج يجب التذكير به، وهو شرط يتعلق بعدم مشاركة أفراد السلطة التنفيذية المؤقتة في المناصب الليبية القادمة والدائمة، وهو ما دفع عددا من المرشحين للانسحاب من المؤقت المشروط للاستعداد للدائم
وهنا يجب التذكير بأن السلطة الليبية الجديدة المعلنة في 4 فبراير الجاري في جنيف، نتجت عن الملتقى السياسي الليبي وهو أحد ثلاثة مسارات رئيسية هي (السياسي– الاقتصادي– العسكري)، لتحقيق 55 بندا محددا ومعلوما ومضمنا في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510 بعد إقرارها في مؤتمر برلين في 18 يناير 2020 والتي تم تأسيسها على خلفية لقاءات (باريس– باليرمو– أبوظبي–القاهرة) والتي تم تضمينها جميعا فيما سميت (خارطة سلامة) التي قدمها لمؤتمر برلين المبعوث الأممي السابق غسان سلامة المستقيل في مارس 2020.
تلك الخارطة التي تضمنت إصلاحات القطاع الأمني باستعادة احتكار الدولة للاستخدام المشروع للقوة، وتشكيل قوات أمن وشرطة وقوات عسكرية ليبية موحدة تحت سلطة مدنية مركزية، بناء على محادثات القاهرة ومخرجاتها في 2018، والتي أنجزت التفاهمات حول توحيد المؤسسة العسكرية،
كما يأتي من أبرز المهام المطلوب تنفيذها من السلطة الجديدة ما تضمنته القرارات الدولية من إخراج المرتزقة والحفاظ على السيادة الليبية ووحدة أراضيها وإخراج القوات الأجنبية منها، وتنفيذ عملية شاملة لنزع سلاح الجماعات المسلحة والميليشيات في ليبيا، ومكافحة الإرهاب وتطبيق قرار مجلس الأمن 2368 والقرارات الأخرى ذات الصلة المتعلقة بـ (داعش) وتنظيم القاعدة والأفراد والجماعات والكيانات المعنية، لا سيما الأحكام المتعلقة بحظر السفر وتجميد الأصول المالية أو الموارد الاقتصادية للأفراد والكيانات المعنية، من دون أي تأجيل علاوة على تعزيز الثقة بين الليبيين وإجراء المصالحة الوطنية ومنع الخطاب التحريضي وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية، تقوم بتنظيمها لجنة انتخابات وطنية عليا مستقلة وفعالة.
وإلى جانب هذه المهام الرئيسية تأتي مهام السلطة الجديدة في إصلاح القطاع الخدمي بمجالاته كافة والذي انهار تماما، كنتيجة طبيعية لعدم الاستقرار والانفلات الأمني وانتشار الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية.
وفي ضوء ما سبق أرى أن تفعيل هذه المعايير والتركيز على المهمات الرئيسية والواضحة للسلطة الليبية الجديدة والمساعدة في تنفيذها ومراقبة خطواتها، هو أكثر ما يحتاجه الشعب الليبي وشعوب المنطقة بالكامل والتي تتأثر سلبا وإيجابا بشكل فعلي وكبير مع مجريات الأمور على الساحة الليبية.