10 ملايين دولار هي قيمة حياة المواطن الأميركي..أو 3.5 مليون دولار هي قيمة حياة المواطن الأسترالي.

في أوروبا، 3.5 مليون دولار قيمة حياة المواطن في فرنسا..و2.5 مليون دولار قيمة حياة المواطن في بريطانيا.

قبل أن يذهب عقلك بعيدا، دعنا نتفق أن حياة الإنسان لا تقدر بثمن. ولكن، هذه القيم ليست قيمة الإنسان في حد ذاته، وإنما هي {القيمة الإحصائية للحياة}، تستخدمها الحكومات للإجابة عن تساؤل يطرح نفسه في أوقات الأزمات:

ما قيمة إنقاذ حياة إنسان؟

نغلق الاقتصاد.. أم نترك الناس لمصيرها؟

وهنا نتحدث عن الجدل المثار، بشأن الإغلاق العام. فكي تستطيع الحكومات مواجهة وباء كورونا، لم يكن أمامها سوى حل واحد.. إغلاق الحدود، تطبيق سياسات التباعد الاجتماعي، ومنع التجمعات.. وإغلاق الاقتصاد.

اتخاذ هذا القرار عادة لا يتم بصورة عشوائية، ولكن يعتمد على حساب تكلفة إغلاق الاقتصاد، ومقارنتها بتكلفة الخسائر في الأرواح في حال عدم اتخاذ أي إجراء.

النموذج الأسترالي

في منتصف مايو الماضي، نشر أستاذان للاقتصاد من أستراليا، مقالا على موقع {The Conversation} يقارن بين المنافع والخسائر من إغلاق الاقتصاد.

الأستاذان افترضا جدلا أن معدل الوفاة من الوباء عند 1% من عدد السكان في أستراليا أي ما يعادل 225 ألف شخص.

وهذا يعني أنه في حالة عدم اتخاذ أي قرارات من إغلاق عام وترك الناس لمصيرها أمام الوباء، فإن القيمة الإحصائية لهذه الوفيات:

225 ألف شخص × 3.5 مليون دولار = 800 مليار دولار (قيمة الخسائر في الأرواح إحصائيا).

الآن لدينا قيمة الخسائر في الأرواح من الوباء، ماذا عن تكلفة غلق الاقتصاد؟

التكلفة قد تصل  إلى 10% من الاقتصاد الأسترالي على أسوأ تقدير أو ما يعادل 140 مليار دولار أميركي تقريبا.

الآن الأمور أصبحت أكثر منطقية، 140 مليار دولار خسائر الإغلاق لا تضاهي المنافع من تجنب خسائر في الأرواح بقيمة 800 مليار دولار.

رحلة إلى الماضي

في دراسة للبنك المركزي الأميركي بالتعاون مع جامعة MIT، عن التداعيات الاقتصادية، لوباء الإنفلونزا الإسبانية في 1918.

وللعلم الوباء أخذ ثلاث موجات.. الموجة الثانية كانت الأشد فتكا، ويصبح هذا الوباء الأسوأ في العصر الحديث إلى الآن.

الدراسة وجدت شيئا مذهلا للغاية.

المدن الأميركية التي اتخذت إجراءات عاجلة من إغلاق عام، ومنع التجمعات وغلق المدارس، والمصالح الحكومية، كانت الأسرع نمواً، والأكثر توظيفا بعد انتهاء الوباء.

على عكس المدن، التي اتخذت إجراءات متأخرة ولم تكترث منذ البداية.

2020.. البرازيل وكورونا

في عام 2020 ومع وباء كورونا لم تهتم البرازيل على الإطلاق منذ البداية بتطبيق الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي، بل كان رئيسها - جايير بولسونارو - معارضا لكل هذه الأفكار.

رغم ذلك أرغم بولسونارو، على ارتداء الكمامة بأمر قضائي، والمفارق في الأمر أنه أصيب بفيروس كورونا!.

عدم اهتمام البرازيل وصل بها إلى أن تكون ثاني أكبر دولة من حيث الوفيات بعد الولايات المتحدة (وفقا لأرقام جامعة جونز هوبكنز في 17 سبتمبر).

التجربة خير معلم

على العكس من بعض الدول، التي لديها خبرة مع الأوبئة، سنجد الأمر مختلفا تماما.

فتجربة سنغافورة وتايوان مع وباء سارس عام 2003  لاتزال حاضرة في ذاكرة الجمهور، كما أن الأنظمة الصحية في هذه الدول بنيت على الدروس المستفادة من هذا الوباء.

استجابة الدولة والشعب والسرعة في اتخاذ إجراءات وقائية في الأسبايع الأولى من تفشي كورونا في 2020 كان لها عامل كبير في السيطرة على الوباء مقارنة بباقي الدول الأخرى.

والأرقام خير دليل: 27 حالة وفاة من كورونا في سنغافورة من أصل أكثر من 57 ألف إصابة، وهي نسبة ضئيلة للغاية بينما في تايوان بلغت الوفيات  7 أشخاص فقط، من أصل 500 إصابة مقابل حوالي مليون وفاة من أصل ثلاثين مليون إصابة حول العالم.

أوروبا العجوز المريض

الدول الأوروبية تأخرت في اتخاذ أي إجراء سريع إلى أن أصبحت بؤرة لتفشي الوباء في وقت من الأوقات، لكن في النهاية طبقت الإغلاق العام.

ورغم الخسائر الاقتصادية، فإن دراسة صدرت في يونيو لجامعة إمبريال كولدج لندن، وجدت أن الإغلاق العام جنب وفاة ثلاثة ملايين شخص بسبب فيروس كورونا في 11 دولة أوروبية، بدلا من 140 ألف وفاة المسجلة حتى ذلك الوقت.

إغلاق.. فتح.. إغلاق

في دراسة من جامعة كامبردح والبنك المركزي الأميركي، وجدت أن 8 أشهر من الإغلاق المنظم، بمعنى إغلاق ثم فتح ثم إغلاق وهكذا، بناء على تطور عدد الإصابات بالفيروس، يمكن أن يقلل الضرر من وباء كورونا على الاقتصاد بنسبة 50%.

من حيث السرعة في الإغلاق، ففي دراسة أخرى لجامعة كولومبيا، صدرت في مايو الماضي، وجدت أنه كان من الممكن تجنب 83% من وفيات وباء كورونا في أميركا لو تم تنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق العام قبل أسبوعين فقط من الوقت الذي طُبق فيه فعلياً.

بمعنى أنه لو تم تنفيذ الإغلاق العام في الأول من مارس- وهذا لم يحدث*- لكان عدد الوفيات وصل إلى 11500 حالة في الأول من مايو بدلا من 65 ألف حالة، بحسب الدراسة.

*{في 11 مارس 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا بأن فيروس كورونا {كوفيد-19} أصبح وباء عالميا، وبدأت الولايات الإغلاق في 19 مارس}.

الأمل

لا يوجد لقاح أو علاج لفيروس كورونا إلى الآن. فمن الممكن أن نجد موجات من الغلق وفتح الاقتصاد على مستوى العالم وذلك على حسب انتشار الإصابات ومدى السيطرة على الوباء.

وفي النهاية.. الدول التي استطاعت السيطرة على الوباء ستكون بطبيعة الحال الأسرع في عودة الاقتصاد لما قبل الأزمة.

أما الدول التي تأخرت في الإغلاق.. فقد تعزل دوليا.. وستكون أبعد عن العودة إلى الحياة الطبيعية.

العجلة تدور من جديد

تجنب الخسائر في الأرواح، يُترجم إلى مكاسب اقتصادية في نهاية المطاف.

لقد نجا الكثير من الناس، وكثيرون عادوا إلى العمل.. والإنفاق سيرتفع بعد تأجيله بسبب البقاء في المنزل.

والأمل في الغد بعد تخطي وباء كورونا.. يعني عودة العجلة الاقتصادية للدوران من جديد.