فجأة ومن دون ضجيج، أعلنت دولة الإمارات تدشين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وبهذا تصبح ثالث دولة عربية بعد مصر والأردن تقرر اتخاذ هذه الخطوة.

وكالعادة، انقسم رأي الشارع العربي، فهناك العقلانيون، الذين قرّروا نزع رداء النضال، والتعامل مع الأمر بواقعية، وهناك أصحاب الشعارات الفارغة، تلاميذ مدارس الخمسينات والستينات، الذين يرفضون التعامل مع إسرائيل تحت أي ظرف، من دون أن يقدّموا بديلا لذلك.

وكان الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة قد سبق الجميع، وأدرك أن وجود إسرائيل في هذه المنطقة أمر واقع، ولذا طلب من العرب أن يقبلوا بحل الدولتين، ولو تم ذلك، لربما رأينا اليوم دولة فلسطينية مزدهرة، ثم أعقبه الرئيس الراحل، أنور السادات، الذي سبق زمانه وراهن على التاريخ، الذي أنصفه في نهاية المطاف، وتوالت الفرص بعد ذلك، وفي كل مرّة يتعنت ساسة فلسطين، وقد رأينا من نتائج ذلك توسع إسرائيل، وقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس وضم الجولان، ويكتفي العرب بالشجب والاستنكار، لأنهم لا يملكون غير ذلك، ولو آمنوا بأن السياسة هي فن الممكن، وتعاملوا مع القضية بواقعية وبراغماتية لما وصل الأمر إلى هذه الحال.

قبل أن يشتم المناضلون مصر ودول الخليج، نود تذكيرهم بأن هذه الدول هي التي ساندت القضية أكثر من أي أحد آخر، فمصر فقدت خيرة أبناء جيشها، والمملكة والإمارات ساندتا الشعب الفلسطيني سياسيا ودعماه ماليا خلال عقود من الزمن، ويحسن تذكير المناضلين أن من دمّر أواصر حالة التوحد العربي لم تكن المملكة والإمارات، بل صدام حسين، الذي ضلّ طريقه واحتل بلدا عربياً، ولم يخرج منه إلا بقوة عسكرية جبّارة، ومنذ تلك اللحظة الصدّامية، كفر كثير من العرب برومانسية الوحدة العربية، وبدؤوا يفكرون بمصالحهم الخاصة وأمنهم واستقرارهم، ولعلنا نتذكر أن بداية التقارب مع إسرائيل بدأ بعد حرب تحرير الكويت، عندما اتفقت السلطة الفلسطينية ذاتها مع إسرائيل، أي أن صدام حسين، الذي هدّد بحرق نصف إسرائيل من أجل الشعب الفلسطيني، هو ذاته الذي كان السبب الرئيس لتفاوض أبو عمار ورفاقه مع إسرائيل، وإذا عرّجنا على معمر القذافي، رفيق صدام في النضال والدعوة للوحدة العربية لمواجهة إسرائيل، نجد أنه كان دوما يسخر من الحكام العرب ويفشي أسرار لقاءاتهم، وهو الأمر الذي كان يخدم إسرائيل أكثر من أي طرف آخر.

إيران لم تقدّم للقضية أكثر من الكلام الرخيص، وتركيا أردوغان تتلاعب بمشاعر العرب، في ذات الوقت الذي تقيم فيه أقوى العلاقات مع إسرائيل، ومع كل ذلك، لا أحد يهاجم إيران وتركيا وصدام والقذافي، فالهجوم ماركة مسجلة ضد المملكة والإمارات، فقطر هي أول من طبّع مع إسرائيل، واستضافت قناة الجزيرة ساسة وعسكريين إسرائيليين، أما وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم فهو يقضي إجازاته في قصره الفخم في إسرائيل، ومع ذلك فقطر مستثناة من الهجوم، مما يعني أن ساسة وشعب فلسطين لا يمانعون في أن تقيم علاقات من تحت الطاولة مع إسرائيل، وتتلاعب بمشاعرهم بالحديث النضالي المنمّق، كما تفعل قطر، أما إن كانت أفعالك صريحة وواضحة وتحت الشمس، كما فعلت الإمارات مؤخرا، فأنت خائن للقضية، وهذا منطق أعوج، وهو السبب الرئيسي في مأساة الفلسطينيين، ويبدو أنه لا أمل في الأفق في تغيير ذلك، وإن استمر الأمر على هذه الحال، فإننا نخشى أن يأتي اليوم الذي لا يتحدث فيه أحد عن القضية الفلسطينية، وهذه ستكون مأساة القرن.