مع نشر هذا المقال، يكون قد تبقى يومان فقط على موعد اليوم الأكبر والأهم في تاريخ أميركا السياسي الذي يتجاوز القرنين، فالولايات المتحدة في مفترق طرق تاريخي وسط انقسام على كل المستويات.

ويبدو مشهد الحملات الانتخابية متفاوتا للغاية، بين التجمعات والحماس الجماهيري الهائل الذي يصاحب حملة الرئيس دونالد ترامب، والهدوء العجيب الذي يلف حملة منافسه الديمقراطي جو بايدن، فالأول يزور 3 ولايات يوميا ويلتقي أنصاره المخلصين الذين يبعثون فيه حماسا لا حاجة له به، فهو يتقد حماسا في كل الأحوال، بينما يكتفي الثاني بحضور تجمعات محدودة وبلا جمهور تقريبا، ورغم كل ما تبذله حملته من جهد في أن يبقى بعيدا عن التواصل المباشر، ورغم كل الاستعدادات والاحتياطات التي يقوم بها، فإنه يرتكب هفوات لا يصدق المتابع أنها تصدر ممن امتهن السياسة لعقود طويلة، حيث يبدو بايدن في كثير من الأحيان كما لو أنه مجبر على خوض هذا السباق الرئاسي كما ذكر كثير من المعلقين خلال الفترة الماضية.

القصة التي تستحق التوقف هي قصة الإعلام الأميركي، الذي كان يوما يزخر بكبار النجوم ممن تحترمهم مهما اختلفت معهم، وأتحدث هنا عن دان روذرز وبيتر جينينغز وتوم برانكو وتيد كابيل وسام دانيلسون وهيلين توماس، وغيرهم من الرموز التي كانت لا تخفي إعجابها ومواقفها الأيدولوجية، لكنها لا يمكن أن تتخلى عن المهنية أو تستفز المشاهد كما تفعل معظم منصات الإعلام الأميركي حاليا.

ولا أدري كيف فات على هذه المنصات أن تغطياتها المنحازة ضد ترامب، ونقدها له بطريقة تبعث على السخرية ومبالغاتها في مجاملة بايدن، سوف تأتي بأثر عكسي، فالمشاهد ليس غبيا، واستفزازه بهذه التغطيات المنحازة تكون نتائجه عكس ما تريد المنصات، وتكفي فضيحة تجاهلها التام لتغطية فضيحة هنتر بايدن، التي حجبتها حتى منصات التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك"، في خطوة ستكون تبعاتها وخيمة على هذه المنصات الحرة.

تركز منصات الإعلام التقليدي المنحازة على عنصرية ترامب في مقابل تسامح بايدن، وهو الأمر الذي تفضحه وسائل التواصل الاجتماعي بحقائق وفيديوهات على العكس تماما، فبايدن هو الذي كان حليفا وصديقا حميما في مجلس الشيوخ لساسة عنصريين، وقفوا ضد قانون الحقوق المدنية للمساواة بين السود والبيض، كما كان مقربا جدا من السيناتور روبرت بيرد الذي كان عضوا سابقا في أشرس منظمة عنصرية، منظمة "كو كلوكس كلان"، كما أن لبايدن تصريح يسخر فيه من الهنود، وهو الذي اقترح قانون الجريمة الذي أدخل عشرات آلاف السود للسجون، أما ترامب فلا يذكر له أي سلوك عنصري موثق عدا موقفه من جريمة سنترال بارك في مدينة نيويورك في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما نشط ضد المتهمين السود وتمت إدانتهم ثم اتضح أنهم أبرياء، وما عدا تلك القضية لا يوجد ما يشير لعنصريته بشهادة كل من تعامل معه من السود ومعظمهم من المشاهير.

لست هنا بصدد الدفاع عن ترامب، بل فقط لتوضيح مدى الانحياز الإعلامي ضده، وهو الانحياز الذي لم أشهد له مثيلا في السابق ويشمل تجاهل إنجازاته السياسية والعسكرية والاقتصادية تماما، ومع قرب يوم الانتخابات فإن هناك شرائح ستصوت لبايدن، وشرائح مثلها ستصوت ضد ترامب، أي لبايدن أيضا، وهناك جمهور ترامب المخلص الذي سيصوت له تحت أي ظرف، وتتبقى أهم الشرائح، المحايدون، والمتوقع هو أن هذه الشريحة المهمة للغاية ستذهب لصندوق الاقتراع وفي مخيلتها قضايا الاقتصاد والأمن ومزاحمة الصين لمكانة أميركا، وهوية الزعيم الأقدر على قيادة الولايات المتحدة في ظل هذه الظروف العصيبة.

وطالما الأرقام الأخيرة للربع الثالث من هذا العام تشير إلى نمو اقتصادي تاريخي رغم جائحة كورونا، وترامب يقف للصين بالمرصاد منذ دخوله البيت الأبيض، وهو الذي اتخذ مواقف حادة ضد الفوضى والتخريب التي تشهدها أميركا منذ أشهر، فإن المتوقع هو أن الناخب المحايد سيصوت له، خصوصا أنه تمت تجربته في فترة رئاسته الأولى، في مقابل مرشح رئاسي جديد يعاني مشاكل في وظائف الإدراك من جهة، وتحاصره قضية فساد ابنه من جهه أخرى، علاوة على أن نائبته سياسية من عيار خفيف جدا وبلا تاريخ سياسي يذكر، والخلاصة هي أن من سيصوت له أغلبية المحايدين سيفوز حتما بالرئاسة، فلننتظر ونشهد ما سيقوله الناخب الأميركي ويسجله التاريخ!