كيف تستطيع إيران مواصلة تمويل عملياتها الخارجية ودعم ميليشياتها في مناطق النزاع رغم منظومات العقوبات الدولية عليها؟

هنا علينا التجرد عند تناولنا بعض قضايانا الخاصة والفصل بين الروحي والسياسي. فعندما نتناول الخُمس المُسيس، فإننا نتناول آلية من آليات التمويل السياسي وهو عُرف متبع في كل مدارس الإسلام المسيّس سنياً وشيعياً. في حين ثبت أن أمر تناول تلك الجزئية في شقها السني كآلية من آليات محاربة مصادر تمويل الإرهاب أمر عملي ومنطقي، إلا أن تعاطينا مع تفاصيل آليات تمويل تنظيمات اتفق المجتمع الدولي على تصنيفها "إرهابية" نظير جرائمها في حق مجتمعاتها والأمن الدولي، مثل (حزب الله) وسائر اشتقاقاته في عموم العالم العربي، يبدو متحفظاً جداً. لذلك يجب إخضاع "الخُمس" وتحديد حجمه، وأوجه إنفاقه ودورته الخارجية قبل الداخلية، لأنه أداة تمويل كبرى تجد طريقها مبهمة العمق والتوظيف. ففي تاريخنا الحديث جداً، كانت البحرين أحد مسارح ذلك التوظيف في دعم الأعمال الإرهابية على أراضيها والعابرة لحدودها في أكثر من حالة.

"الخُمس" كان المورد الوحيد الواقع خارج إطار منظومة العقوبات مخافة الاتهام بالتمييز الطائفي، إلا أن المليارات المتحصلة من خلاله أسهمت في التأسيس لواقع سياسي جديد بعد الثورة الإسلامية في إيران وانتقال ثقل المرجعية الشيعية من النجف إلى قم، وما تلا ذلك من استحقاقات التقليد وأهمها الخُمس. وبحسب مصدر مصرفي بحريني موثوق، فإن ما كان يتم تحصيله وتحويله لحسابات خاصة داخلية وخارجية عبر وكلاء "قم والنجف" المعتمدين بشكل شهري منذ ثمانينات القرن المنصرم يتجاوز الثلاثين مليون دينار هي حصيلة ما يدفعه 10 في المئة من شيعة البحرين وفق المصدر ذاته. وخلال أحداث 2011 في البحرين، أثبتت كل القرائن ضلوع غالبية الوكلاء في تمويل العمليات الإرهابية وتبني أعمال الإخلال بالأمن.

وعليه، فإن كان خراج الخُمس بذلك الحجم من دولة صغيرة مثل البحرين فلنا أن نتصور حجم ذلك من دول إقليمية أخرى. فخلال الفترة نفسها من حالة عدم الاستقرار الأمني التي شهدتها البحرين، كان موقف وكلاء "قم والنجف" في عموم دول الخليج العربية متماثلاً، والموقف السياسي بكل تفاصيله مع قم بما فيها إسقاط الأنظمة الوطنية وإقامة دول تابعة لولاية الفقيه.

 يجب أن تخضع المليارات العابرة للحدود عبر بوابة الخُمس للرقابة الوطنية من خلال آليات صارمة أولاً لحماية أموال المواطنين، وثانياً للتحقّق من أوجه إنفاقها كما هو معمول به في باقي دول العالم. وأسوق هنا مثالاً على ذلك، في ألمانيا هناك هيئة فيدرالية تجمع غالبية التبرعات من الأفراد والمؤسسات وتقوم هي بمخاطبة الكنائس وتستعرض برامجها وبحسب ذلك تقوم بتخصيص الموارد اللازمة لها.

أسهم التخلي عن مواطنينا وتركهم دون وقاية من مثل هذه المنظومة في السابق في الإضرار بماهية الهوية الوطنية نتيجة التفريط في فرض أدوات الرقابة اللازمة وفي إعادة توجيه إيرادات مثل ذلك الباب في التنمية الاجتماعية بدل تحوّل الخُمس إلى آلية تكسّب كبرى على حساب دافعيه وتنمية مجتمعاتهم أو تمويل عمليات سياسية تستهدف أوطانهم وأمنهم.

لا يمثّل رفع الحصانة عن الخمُس أي شكل من أشكال الاستهداف الطائفي، بل هو من صميم مسؤوليات دولنا بهدف حماية مصالح جميع مواطنيها، وهو كذلك إجراء استباقي في مواجهة من يستهدف أمننا بأموالنا. هنا أنا لا أتناول "الخُمس" من منطلقات شرعية أو فقهية، وعلى القارئ المفاضلة بين إدراج الرأي تعدياً على نص قاطع أو فقه طائفة، وكونه رأياً يتناول التوظيفات السياسية لذلك الباب ذي الأبعاد الخفية.