يتمثل سر نجاح قطر في استنزاف قيمة الموقف السياسي للرباعية ببساطة، في الخلط بين مكانة الوسيط وحيوية الوساطة، وبات لزاما على الرباعية تحديد موقفها من قطر بعد أن أفشلت هي كل مساعي الوسيط، وجهود الدول الخليجية المقاطعة لها، في دعم مسارات مد الجسور.

تنحصر جهود قطر وحلفائها الآن، بعد تحجيم دورهم في الملف الليبي، عبر مؤتمر برلين، في محاولات بائسة تستهدف مكانة الدولة المركزية (المملكة العربية السعودية) عبر تقاطع المصالح مع أساطين المال السياسي والإعلام، أمثال جف بيزوس وغيره من مسؤولي المؤسسات المؤثرة على صناعة القرار أو تكييف الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا. فالتحول في الموقف الأوروبي من أمن الممرات البحرية، نتيجة التحول في الموقف السياسي الأميركي ميدانياً، بعد أن تُرجم ذلك في استهداف قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، ذلك أولاً.

أما ثانياً، فيتمثل في تراجع احتمالات عزل الرئيس ترامب، كما عبر عن ذلك السيناتور الديمقراطي آدم شيف، في بيانه الافتتاحي لجلسات العزل الثلاثاء الفائت.

يأتي إدراك مساحات تقاطع المصالح، ليقف وراء افتعال أزمة جديدة عنوانها اختراق هاتف بيزوس، والبرهنة ثانيةً على قدرة المال السياسي في التحرك خارج الأطر التقليدية لأدوات الدول.

فقد وجدنا هيئة كبرى تابعة للأمم المتحدة، مثل المفوضية العليا لحقوق الإنسان، من خلال الدكتورة آغنس كالامارد، تنشر بياناً رسمياً بذلك، وعبر الموقع الرسمي، من دون تكليف من الأمين العام للأمم المتحدة ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها المحققة المستقلة بتجاوز صلاحياتها، في استهداف المكانة المعنوية للمملكة العربية السعودية، وهو ما يذكرنا بوجود نشطاء بصفة مراقبين ومحققين مستقلين في أوساط المؤسسات الحقوقية، منذ عقدٍ ونيف.

ليس التجاوز مكان السؤال هنا، بل يطال إدارتنا نحن لعلاقاتنا مع مثل هذه المنظمات الدولية. فعندما يغض الأمين العام غوتيريز الطرف عن مثلها، فهو بذلك يحقق التوازن بما يخدم أكثر من ملف من وجهة نظره، وأولها الموقف الأوروبي الرافض لإلغاء الاتفاقية النووية مع إيران، وثانياً التحسب من التحولات السياسية المحتملة في الولايات المتحدة، في حال فشل الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو يفكر في موقف الديمقراطيين منه، بعد انتهاء ولايته الأولى.

أما أخيراً، فإن أي ضغط معنوي على المملكة العربية السعودية، قد يثمر تسريعها في تمويل أكثر من مشروع للأمم المتحدة، التي تعاني أصلاً شح التمويل، وبذلك يحقق هو مجده الشخصي. وربما من الجائز أن نسأل الأمين العام للأمم المتحدة و الدكتورة كالامارد: متى تم الاعتراف بجف بيزوس كدولة عضو في الأمم المتحدة، أو كأقلية مضطهدة استدعى الأمر تدخل المنظمة الأممية أو إحدى وكالاتها لصالحه؟.

يحدث التداخل في تفاصيل المشهد ومتاهاته، ليس بسبب غياب الإرادة السياسية، بل لتفعيل الأدوات المناسبة والموقف. ففي حين تناور قطر على كل المستويات وفي كل الميادين مع حلفائها، بشكل مباشر أو عبر مالها السياسي، نجد أنفسنا تقليديين في التعامل مع كل موقف. وإلا كيف لنا أن نفسر هذا التوقيت المتزامن مع انعقاد دافوس وتسلم المملكة العربية السعودية رئاسة مجموعة العشرين.

علينا الآن مصارحة أنفسنا وفوراً، قبل الانزلاق أكثر في مصيدة الاستنزاف السياسي، من قبيل: كيف لنا أن نطور أدواتنا في التعامل مع كل مصادر الاستهداف - السياسي منه والمعنوي - في فضاءات لم تعد تقليدية؟.

والسؤال الآخر: هل بات من الواجب الفصل بين مكانة الوسيط والوساطة في الملف القطري؟.

المجتمع الدولي بحاجة ماسة للاستدلال بعنوان يمثل إرادتنا السياسية، بشكل غير تقليدي في إدارة ملفاتنا، وليكن الموقف من العبثية القطرية أولها وفوراً، قبل أن نصحو على متغيرات قد تفرض واقعيتها أمور أخرى.