تعد قضية اللاجئين الفارين إلى الدول الأوروبية إحدى أهم القضايا التي ساهمت في رفع أرصدة الأحزاب اليمينية المتطرفة وتحقيقها مكاسب على حساب التيارات السياسية الأخرى في الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد غنائم المقاعد التي حققتها الأحزاب المتطرفة في البرلمان الأوروبي، ومؤخرا بفوز حزب "الشعب السويسري" يوم أمس وحصده العديد من الأصوات في الانتخابات العامة السويسرية.
وكان قد حذر مسؤولون في الاتحاد الأوربي من هاجس تدفق اللاجئين لدى مواطني الدول الأوروبية من أنه قد يؤدي إلى صعود نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة على الساحة السياسية مقابل انحسار للأطياف السياسية المعتدلة، في ظل مطالبة "الناخبين" بوضع حد للطوفان البشري القادم من الصراعات في الشرق الأوسط وإفريقيا ليهدد القارة العجوز.
ورغم أن اللاجئين يعتبرون اليونان بوابة عبور نحو الدول الغنية في الغرب، إلا أن قضية اللاجئين شكلت جسر عبور ومحورا هاما استغلته التيارات المتطرفة مثل حزب الفجر الذهبي "خريسي أفغي" الفاشي لتغيير الخارطة السياسية في البلاد بصعود اليمين المتطرف.
فقد حقق حزب "الفجر الذهبي" إنجازا في الانتخابات بعد حصوله على نحو 7 بالمئة من الأصوات بحصده 18 مقعدا ليحل ثالثا في ترتيب الأحزاب التي حصدت جل المقاعد في البرلمان الشهر الماضي، رغم أنه لم يتمكن خلال عقدين ماضيين وحتى عام 2009 بالفوز بأي مقعد تحت قبة البرلمان.
كما مهدت خريطة طريق اللاجئين، أمام سياسية الأحزاب اليمينية في هنغاريا، كحركة يوبيك المتطرفة "الحركة من أجل هنغاريا أفضل"، بالتنكيل باللاجئين، وباتوا يلوحون بخطر استقبال بلادهم للاجئين من خلال سيطرة اليمين المتطرف على وسائل الإعلام، وبدعم من تيار تحالف "فيديس" يمين الوسط، أو الاتحاد المدني الهنغاري، الذي يسيطر على مقاليد الحكم في هنغاريا.
وحتى النهاية المنشودة ودار المقر بالنسبة للاجئين في الغرب الأوروبي لم تكن بالنهاية السعيدة، فقد استغلت القوى اليمينية في ألمانيا، خاصة الحزب القومي الديمقراطي في تأليب الشارع الألماني ضد المهاجرين، حيث عبر مجلس أوروبا في تقرير له من تزايد العنصرية في البلاد، خاصة عقب التظاهرات التي نظمتها حركة بيغيدا العام الماضي، والتظاهرات التي تعتزم الخروج بها في قادم الأيام.
ولا يختلف الحال عما هو عليه في فرنسا أو بريطانيا وهولندا والنمسا أو الدنمارك ، فقد باتت أرصدة حزب الجبهة القومية المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبان في صعود، في ظل المكاسب التي حققها في البرلمان الأوروبي بحصوله على 23 مقعدا من أصل 74 مقعدا مخصصا لفرنسا، في المقابل فاز حزب استقلال بريطانيا اليميني أيضا بـ22 مقعدا من أصل المقاعد الـ73 المخصصة لها في البرلمان الأوروبي.
كما أن حزب غيرت فيلدرز " من أجل الحرية" والذي يركز على خطاب الكراهية ضد الأجانب، وخاصة ضد المسلمين، بدأ بتحقيق المكاسب في الشارع الهولندي، وسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب المعتدلة الأخرى. وفي النمسا أيضا يشكل حزب الحرية النمساوي الراديكالي أصواتا عالية في البرلمان حيث حصد خلال الانتخابات الماضية 38 مقعدا من أصل 183. وتشابه هذه النسبة تقريبا عدد المقاعد التي سيطر عليها حزب الشعب الدنماركي في البرلمان والذي يهيمن على 37 مقعدا من أصل 179 من مجمل مقاعد البرلمان.
ويرى البعض أن شبح القوى المتطرفة والنازية الجديدة بدأ يغزو دول العالم المتقدم خاصة بعد الأزمة الاقتصادية، التي أعادت إذكاءها أزمة اللاجئين، مما سيؤدي إلى نهاية دول ما يسمى بالرفاه الاجتماعي.
فباتت القوى تستغل قضية اللاجئين لتضفي على نفسها المصداقية لدى الأوروبيين من خلال تكرار الخطابات المتطرفة التي غذت الكراهية للآخر، فتذكي التخوفات في السرائر من مسح الهوية الثقافية لأوروبا المستقبل.